للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذهب إليه المفسرون أولى من قول بعضهم: إن ذلك كان جائزا في شريعة يوسف عليه السلام.

ومن المعلوم أن حياة الرسل للدعوة، فإذا ما تمت يقترب أجلهم، لقد شعر الصحابة بقرب أجل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزل قول الله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ١، ولما نزلت سورة النصر سُر الصحابة وبكى ابن عباس، ولما سئل قال: هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي شريعة الإسلام لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت؛ لأن الموت يقطع العمل، وأما الحياة فإنها فرصة المؤمن يزداد بها خيرا، في شكره النعم، أو صبره على البلاء.

وإذا تعرض المسلم لضر أو أذى، فإن الله -سبحانه وتعالى- يجيز له الهجرة نصرة لدينه، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} ٢.

ومن هنا فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تمني الموت, حيث قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد متمنيا الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي, وتوفني إذا كان الموت خيرا لي" ٣.

أما إذا عمت الفتنة ولم يجد المرء لنفسه خلاصا منها, فإنه يجوز له أن يتمنى الموت؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في آخر خلافته، لما رأى أن الأمور لا تجتمع


١ سورة المائدة آية: ٣.
٢ سورة النساء آية: ٩٧.
٣ صحيح البخاري بشرح فتح الباري, باب الدعاء بالموت ج١١ ص١٥٠.

<<  <   >  >>