للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت دعوة يونس -عليه السلام- للآشوريين، انطلاقا من عاصمتهم "نينوى" يدل على ذلك ما حدث مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أن ذهب إلى "الطائف" حين التقى بـ "عداس" غلام بني ربيعة النصراني، حيث قدم عداس للنبي -صلى الله عليه وسلم- قطف عنب, فمد النبي -صلى الله عليه وسلم- يده إليه، وقال: "باسم الله" قبل أن يأكل، فقال عداس: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من أي البلاد أنت؟ " فقال: أنا من نينوى ... فقال له النبي: "أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ " قال له عداس: وما يدريك ما يونس؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ذلك أخي كان نبيا، وأنا نبي" ١.

دعا يونس -عليه السلام- قومه إلى عبادة الله وحده، ونبذ ما هم عليه من خلق سيئ، وظلم، وعدوان على الناس.

ومن البدهي أن الله أمده بالمعجزة، ونزل عليه الوحي؛ لتحديد جوانب الدعوة التي أخذ يبلغها للناس.

لكن القوم أصروا على ضلالهم وفسادهم، وتمسكوا بعبادة الملوك والأوثان ... فلما طال الزمن وهم على ضلالهم، غضب يونس -عليه السلام- من عنادهم، وأنذرهم بعذاب الله الذي سينزل عليهم لإصرارهم على الكفر والضلال، فلما ظهر العذاب فوق الرءوس فر من بلدهم، واتجه إلى الشرق حيث البحر والسفن؛ ليتمكن من السفر بعيدا عنهم.

لكن القوم بعدما تركهم يونس -عليه السلام- خافوا من نزول ما خوفهم منه، وقذف الله في قلوبهم التوبة، والرجوع إلى الله تعالى، فلبسوا مسوح الرهبان، وفرّقوا بين كل بهيمة وولدها، وأخذوا يستغيثون بالله، ويتضرعون إليه ليكشف عنهم غضبه، وينزل عليهم رحمته، فاستجاب الله لهم، ورفع العذاب بعدما اقترب منهم، وأظلهم.


١ السيرة النبوية ج٢ ص٢٦٦ ط. دار التراث.

<<  <   >  >>