للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصور الله تعالى موقف يونس -عليه السلام- من قومه، وإيمان قومه من بعده، فيقول سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ١، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} ٢، {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} ٣.

والآيات تشير إلى غضب يونس -عليه السلام- من قومه، وفراره منهم، وأن القوم آمنوا بعد فراره فنفعهم إيمانهم، ورفع الله عنهم عذاب الخزي الذي كاد أن يحل بهم، ومتعهم في الحياة الدنيا، وسوف يمتعون في الآخرة بإذنه تعالى لإيمانهم, وتقواهم.

يقول ابن كثير: "وقد اختلف المفسرون في انتفاعهم بهذا الإيمان، في الدار الآخرة ... على قولين ... والأظهر من السياق انتفاعهم به؛ لإطلاق مسمى الإيمان عليهم، والإيمان ينقذ من عذاب الآخرة"٤, والله أعلم.

وأخذ يونس -عليه السلام- دورته التي قدرها الله له، وعاد داعيا، وأرسله الله مرة أخرى، يقول تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} .

لكن هل هؤلاء المؤمنون هم قومه الذين فر منهم قبل ذلك، أم إنهم قوم آخرون؟؟!

يفترق العلماء في هذه المسألة إلى فريقين، وأميل إلى رأي من قال: إنهم ليسوا قومه السابقين لأسباب:

١- أن قومه السابقين آمنوا بعدما تركهم وفر منهم، أما هؤلاء فقد آمنوا


١ سورة الصافات الآيات: ١٣٩, ١٤٠.
٢ سورة الأنبياء آية: ٨٧.
٣ سورة يونس آية: ٩٨.
٤ تفسير ابن كثير ج٢ ص٤٣٣.

<<  <   >  >>