للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرى رجحان هذا الرأي؛ لأن شعيبا الرسول -عليه السلام- جاء بعد لوط -عليه السلام- لقوله تعالى: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} ، ولوط -عليه السلام- كان معاصرا لإبراهيم -عليه السلام- أما موسى -عليه السلام- فقد جاء بعد أبناء أبناء يوسف، فبينه وبين إبراهيم خمسة آباء على الأقل هم: "يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" عليهم السلام، وعلى ذلك فشعيب صاحب موسى ليس هو شعيبا الرسول١، والله أعلم ...

توجه موسى ناحية مدين، وجدّ في السير حتى وصل إلى منطقة فيها بئر ماء، فتوقف عندها ليستريح من هذا السفر الشاق، الطويل، وجلس تحت شجرة، ينظر للناس ويشاهد أحوالهم، فإذا هم عدد من رعاة الغنم والماشية، جاءوا بقطعانهم لتشرب الماء الذي تريد، ورأى فتاتين تقفان بعيدا عن البئر، وتمنعان غنمهما من الاقتراب نحو الماء، أو نحو أغنام الآخرين ... ولاحظ موسى أن الرجال يسقون غنمهم الماء صافيا، وما بقي من ماء البئر فهو لغنم الفتاتين ... ولاحظ أيضا أن البنات تتأخر في العودة؛ لأنهما تذودان غنمهما عن الماء؛ انتظارا لانتهاء الشباب من السقي.

لاحظ موسى ذلك فسأل البنتين: ما خطبكما؟ وما هي الأسباب التي تدفعكما إلى التأخير؟؟

قالتا: لا نستقي أولا حتى لا نزاحم الرجال لضعفنا، وأبونا شيخ كبير، لا يمكنه أن يحضر معنا، وليس لنا أخ يأتي معنا، فأشفق موسى عليهما، وزاحم الرعاة، وغلبهم على الماء، وسقى للمرأتين غنمهما، فعادا مبكرتين إلى أبيهما، وأخذتا تحدثانه عن شهامة موسى ورجولته وقوته، وأنه شخص غريب عن مدين وربما يحتاج لعمل وإقامة.


١ تفسير أبي السعود ج٥ ص٩.

<<  <   >  >>