للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في يده فلم يحترق، وكان كلما اقترب منها ابتعدت عنه، وإن ابتعد اقتربت، ثم لم تزل تطمعه، ويطمعها، إلى أن وضح أمرها، وناداه الله وكلمه، وكلفه بالرسالة، يقول الله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ١.

وحدد الله لموسى أصول الدعوة التي سيبلغ الناس بها، وذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي، إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} ٢.

كلم الله تعالى موسى -عليه السلام- من جهة الشجرة، وعرف من كلام الله تعالى عددا من القضايا:

الأولى: عرفه الله بالمكان الموجود فيه وهو "الوادي المقدس"، وقد تجلى الله فيه وطهره، وأخرج منه الكفر والضلال، ويجب على موسى أن يحافظ على طهارة المكان وقداسته، ولله أن يفضل مكانا على مكان.

الثانية: أمره الله بخلع نعليه وهو بالمكان المقدس احتراما له وتواضعا؛ لينال بركة المكان، يقول القرطبي: "والعرف عند الملوك أن تخلع النعال تواضعا، فكأن موسى أُمر بذلك على هذا الوجه"٣, ومن الجائز أن الأمر بخلع النعل كناية عن ضرورة تفريغ القلب من أمر الأهل والولد، والمعاش، وغيرها؛ ليتفرغ كليا للرسالة والدعوة.


١ سورة القصص آية: ٣٠.
٢ سورة طه الآيات: ١١-١٦.
٣ تفسير القرطبي ج١١ ص١٧٢.

<<  <   >  >>