للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عرف موسى فرعون بالله عن طريق إبراز أفعاله وصفاته، فهو الخالق لكل موجود, في السموات والأرض وما بينهما، والمخلوقات جميعها تدين له وتئول إليه.

وهو سبحانه الذي يمكن كل مخلوق من أداء وظيفته, ويهديه للقيام بها, وبذلك كانت الدقة، وكان الجمال، وكان التوازن بصورة دائمة لا تتخلف أبدا في سائر المخلوقات، وكلها تدل على قدرة الخالق، العظيم، الواحد، سبحانه وتعالى.

يحاول فرعون بذكائه، أن يحول النقاش بعيدا عن موضوع الألوهية، فيقول لموسى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} ١.

والسؤال عن القرون الأولى غير محدد الموضوع، فهل هو عن عددهم؟ أو عن دينهم؟ أو عن حكم ضلالهم؟ أو عن مسئوليتهم في إبداع الضلال؟ أو عن عذاب الله لهم؟ أو عن سبب تركهم في الفساد؟ إنه غير محدد الموضوع؛ ولذلك يحتاج إلى أجوبة طويلة، متنوعة.

لكن موسى عليه السلام -بفطنة النبوة- يعيد فرعون إلى قضية الألوهية، مع الإجابة عن سؤاله عن القرون الأولى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} ٢، وفي رد موسى نراه يجيب فرعون، ويأخذه إلى تعريفه بالله تعالى, فيذكر له أن علم القرون الأولى، من كافة نواحيها، عند ربي الذي أدعوك إلى الإيمان به، وهو سبحانه المتصرف فيهم، ولا حاجة لنا إلى التفاصيل، ويكفينا أن نعرف أنها عند ربي، فهو سبحانه متصف بالحق المطلق الذي لا ينسى ولا يخطئ، ويكفينا ثقة في علم الله تعالى، ما خلق من نعم، فقد جعل الأرض مهدا، وذللها


١ سورة طه آية: ٥٠.
٢ سورة الشعراء آية: ٢٤.

<<  <   >  >>