للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- قال فرعون للسحرة: آمنتم له، مع أنهم حددوا إيمانهم، وجعلوه لله، إذ قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} فما موسى وهارون إلا مبلِّغا الدعوة، وعاملان على الإيمان بالله رب العالمين.

وقال لهم: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} ؛ لأنه بطغيانه وجبروته، يتصور نفسه سيدا على الأبدان وعلى العقول، وما درى هذا الضال أن القلوب تميل للحق، وتقتنع بالصواب، وأنها لو تيقنت أسلمت ولو صدقت أطاعت، لا سلطان عليها إلا لله تعالى؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الله.

لقد كان فرعون ينتظر من السحرة أن يستأذنوه في أعمال القلوب، مع أن السحرة لما شاهدوا الحق، وانزاحت عنهم غشاوة الضلال، انبهروا بالقدرة الإلهية، فخروا ساجدين، وبعدها أعلنوا إيمانهم.

وقال لهم: إن موسى لكبيركم، ومن أين لفرعون هذه المقارنة؟ وهل هو يسلم لموسى بأي منزلة، حتى يجعله كبير علمائه وسحرته، أم إن الفاجعة جعلت فرعون يهرف بما لا يعرف؟

- وقال لهم: علمكم السحر، ولم يسأل نفسه: متى التقى بهم موسى؟ وأين علمهم؟ وإن كانوا تلامذته فلم أقدموا على التحدي مع أستاذهم؟

- وأخذ فرعون في تهديدهم بالعذاب الشديد، الذي به يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم في جذوع النخل العالية، ويتركهم للطير، والسباع تأكل أجسادهم وأبدانهم، وبعدها سوف يعلمون، من الأشد عذابا، ومن الباقي.

وخاب فرعون في مقالته وتهديده؛ لأنه يجهل حقيقة الإيمان، ولا يدري أن الإيمان يشمل التصديق بالآخرة، وما فيها من نعيم وثواب، ويعلم عن يقين أنها خير من الدنيا؛ ولذلك رد السحرة على فرعون قائلين له: افعل ما شئت, فكل ما

<<  <   >  >>