للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكنك فعله هو جزء من الحياة الدنيا، والإيمان بالله يهون علينا المصائب، ويجعلنا نتحمل الظلم والطغيان صابرين محتسبين. إن الله في الحقيقة هو الخير المطلق، وهو الأبقى، ليس كمثله شيء.

ويبدو -والله أعلم- أن فرعون -لعنه الله- عذبهم، وصلبهم -رضي الله عنهم- ونفذ وعيده فيهم، فما ضعفوا وما انتكسوا، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "كانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة"١، وكان آخر دعائهم: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} .

لقد ماتوا حين جاء أجلهم، ولقوا ربهم مؤمنين صالحين، ولو اتبعوا فرعون لماتوا لأجلهم أيضا، ولكانوا لجهنم حطبا، لكنهم -رضي الله عنهم- آثروا الآخرة على الأولى، وسلموا أمرهم لله تعالى، فصاروا في الدنيا مثلا عاليا للمؤمنين، وفي الآخرة لهم الدرجات العلا؛ لأنهم أتوا ربهم مؤمنين صالحين.

المسألة الخامسة: أنوار وسط الظلمات

في وسط الظلمات يبزغ الفجر، ومن وسط الآلام يتولد الأمل، وما العمل الصالح إلا تكليف بالمشاق تصحبه راحة، ورضى ... وها هو موسى -عليه السلام- يلقى العنت، والمشاق في دعوة فرعون وملئه، إلا أن الله خفف عنه ما لاقاه ببعض المؤمنين الذين آمنوا بدعوته، وسط الركام الهائل من الكفر والضلال، وهؤلاء هم المؤمنون الذين يمثلون نقطة ضوء وسط ظلام البغي والفساد، في مصر القديمة زمن موسى وهارن عليهما السلام.

وسأورد شيئا من قصص إيمانهم؛ لأهمية التعريف بهم، فقد تحملوا بلاء قاسيا، وصبروا على الأذى الذي نزل بهم، رغم شدته وجبروته، ولأنهم من أقباط مصر، ومن المقربين لفرعون، ومن الذين عاشوا في قمة سلطان فرعون ليكونوا مثلا، وقدوة


١ البداية والنهاية ج١ ص٢٥٨.

<<  <   >  >>