للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه لم يتحدث معهم في قتل موسى كما طلبوا؛ لأنه في قرارة نفسه -والله أعلم- كان متيقنا من صدق موسى، وأنه كان يخاف إن أصابه بسوء بعدما رأى من آياته ومعجزاته، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ١.

فقوله: {ذَرُونِي} من باب التمويه، والإبهام بأنهم هم الذين يمنعونه من قتله ... لأن من يقصد القتل لا يعلن عزمه، وإنما يلجأ للتنفيذ مباشرة ... ويتم فرعون مقالته لهم بالخوف على الناس من موسى؛ لأن موسى -عليه السلام- إما أن يبدل دينهم، أو أن يظهر في الأرض الفساد، وعليهم أن يحذروه، ولا يسمعوا قوله.

علم موسى بما يدور في معسكر فرعون بشأنه، فلجأ إلى الله: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} ٢، اعتصم بالله، وتوكل عليه لينقذه من طغيان فرعون ومن كل طاغية يتكبر في الأرض، ولا يؤمن بالله، ولا بيوم الحساب، فليس هنالك إذًا ما يمنعه من الظلم، والفساد، والقتل، والتدمير.

ولما قويت مؤامرات فرعون، وتعاون الملأ على موسى، غضب رجل من آل فرعون قيل: هو ابن عم فرعون، وليس إسرائيليا، لقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ، وفهم الآية على السياق الوارد أولى من القول بالتقديم والتأخير؛ ليصير المعنى: رجل يكتم إيمانه عن آل فرعون، كما قال البعض، على اعتبار أن الرجل كان إسرائيليا. ومما يرجح أن الرجل كان قبطيا من آل فرعون، أن فرعون سمح له بهذا الحديث الطويل، وانفعل بكلامه، واستمع له، ولو كان إسرائيليا لعاجله بالعقوبة٣, والأخذ بالظاهر هنا أولى.


١ سورة غافر آية: ٢٦.
٢ سورة غافر آية: ٢٧.
٣ تفسير الزمخشري ج٤ ص١٦١، وابن كثير ج٤ ص٧٧، والقرطبي ج١٥ ص٣٠٦.

<<  <   >  >>