للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آمن الرجل بموسى سرا، ولم يجد بدا من إظهار إيمانه، وإعلان غضبه على فرعون وملئه لظلمهم, وعدوانهم، وتفكيرهم في قتل موسى, وأخذ في مناقشتهم بعقل، وحكمة.

لقد نصح المؤمن قومه بحق، وسلك في نصحه لهم منهجا رشيدا وخطة حسنة، فهو واحد منهم، يهمه شأنهم، ويعرف طبائعهم واتجاهاتهم؛ ولذلك تعامل معهم بما يليق بهم, وكان دائما يخاطبهم بقوله: {يَا قَوْمِ} .

ومن منهجه في مخاطبة فرعون وقومه، تقدير فكرهم، ومحاولة إيقاظ عقولهم بالاستفهام المتكرر، المتصل بواقع الحياة التي يعيشونها، وكان ينتقل معهم من مسألة إلى مسألة، ترفقا بهم، وكان يبين لهم في كل مرحلة حرصه عليهم، وتمنيات النجاة لهم, وأمل استمرار الملك فيهم:

أ- قال الرجل لقومه ما حكاه الله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} ١, وهو بذلك يعرض عليهم الموضوع، ويناقش عقولهم، بعيدا عن العصبية والانفعال ورد الفعل، وبلا تحيز ظاهر لموسى أو لدعوته، ويبين لهم أن موسى إما أن يكون كاذبا، أو صادقا، وخير لهم أن يتجنبوا إيذاءه في الحالتين؛ لأنه إن كان كاذبا فسيتحمل عقوبة كذبه بعيدا عنكم، وإن كان صادقا، فستحل بكم عقوبة الكفر به، فلا تضيفوا إليها جريمة قتله، فيتضاعف عذابكم٢؛ لأن احتمال صدقه أقوى، فقد جاءكم بالبينات المؤيدة له,


١ سورة غافر آية: ٢٨.
٢ يقول المفسرون: ومن معانيها "كل الذي يعدكم"، فبعض بمعنى كل، وذهب آخرون إلى أن المراد أن البعض مهلك، فما بالكم بالكل.

<<  <   >  >>