للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجاب هارون -عليه السلام- بهدوء على أخيه موسى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} ١ ... وكان موسى -عليه السلام- قد أخذ شعر رأسه بيده اليمنى، وشعر لحيته بيده اليسرى؛ لأن الغيرة لله ملكته، والانفعال بكفر قومه أحزنه؛ ولذا قال هارون: لا تأخذ برأسي أو لحيتي، حتى لا يتخيل أحد أنك تعاقبني، أو تستخف بي٢, فتركه موسى، وأخذ هارون يشرح له ما حدث.

يبدأ هارون حديثه بمودة ظاهرة، وينادي أخاه موسى ويقول: {يَا ابْنَ أُمَّ} وكان موسى أخاه لأمه وأبيه، ولكن هارون ركز على أخوته لأمه؛ لما فيها من لين، وعطف، ومرحمة.

وبعدها بين له أنه حذرهم من هذا الضلال، ودعاهم إلى الله تعالى, وقال لهم: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ٣.

توضح الآية أن هارون نصح الناس قبل مجيء موسى -عليه السلام- وبيّن لهم فتنة السامر، وبطلان مزاعمه، وأن عليهم أن يعلموا أن ربهم هو الرحمن، الرحيم، وليس هو العجل المزعوم، وحثهم على اتباعه، وطاعته.

وبين لموسى أسباب بقائه وسطهم بعد كفرهم، وهي خشيته من تفرق الناس؛


١ سورة طه آية: ٩٤.
٢ يذهب القرطبي إلى أن موسى -عليه السلام- أخذ برأس هارون -عليه السلام- وضمه إليه ليعلمه بنزول الألواح عليه، وليسمع واقع الحال بصورة لا يسمعها أحد، وكان أخذ الرجل من شعر رأسه ولحيته تكريما واحتراما، إلا أن هارون نهى موسى عن ذلك حتى لا يتخيل الإسرائيليون أن موسى يعاقبه "تفسير القرطبي ج٧ ص٢٨٩".
٣ سورة طه الآيات: ٩٠, ٩١.

<<  <   >  >>