بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك ... قال: أي رب، ومن لي به؟ قال: تأخذ حوتا فتجعله في مكتل، وحيثما فقدت الحوت فهو ثم١ ... إلخ.
والحديث بتمامه يفصل لقاء موسى بالخضر، وقد فصلها القرآن الكريم كذلك، وكلاهما يبين أن حكمة الله تعالى قضت بوقوع القصة؛ ليتعلم موسى -عليه السلام- رد العلم لله، فهو العليم بكل شيء، وعلمه، وإرادته، وقدرته، مع كل موجود؛ ولذلك كان على موسى أن يقول لمن سأله: الله أعلم.
وقد وقع العتاب بمنهجية مؤثرة، ومعجزة، حيث حدد الله لموسى مكان لقاء الرجل الأعلم منه، وهو مجمع البحرين، وأتصور هذا المكان عند التقاء خليج العقبة بخليج السويس، عند رأس محمد؛ لأن موسى -عليه السلام- كان في سيناء، ولا يوجد بحران يلتقيان إلا هناك، وقد حدد الله لموسى علامة يعرف بها المكان، هذه العلامة هي ضياع الحوت، ففي هذا المكان يوجد الرجل الصالح.
اصطحب موسى -عليه السلام- غلاما، ومعهما الحوت في مكتل، فلما جاوزا المكان، قال موسى لفتاه: أحضر لنا الطعام لنأكل، فقد تعبنا، وأصابنا الجوع، فقال له الغلام: لقد نسيت الحوت عند الصخرة التي استرحنا عندها، وقد اتخذ الحوت طريقه إلى البحر بصورة عجيبة، فقال موسى: هذا المكان هو الذي أقصده، فهيا بنا نرجع إليه, فرجعا حتى وصلا إلى الصخرة، فرأى موسى رجلا مسجى بثوب فسلّم عليه، فقال الخضر: أنى بأرضك السلام ... قال: أنا موسى رسول الله. فقال الرجل: أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه. فقال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.
١ صحيح البخاري بشرح فتح الباري, كتاب أحاديث الأنبياء, باب حديث الخضر ج٦ ص٢٣١، ٢٣٢.