ويبدأ التعليم العملي، الرجل يمشي وموسى وراءه، فلقيا في البحر سفينة، استأذن الخضر في ركوبها، فأذن لهم ربانها بلا أجر يأخذه، ركب الخضر وخرق السفينة، فاعترض موسى؛ لأن الخرق يغرق السفينة، فسأله الرجل عن صبره الذي اتفق معه عليه، فاعتذر موسى بنسيانه، وبعدها ساروا على الساحل، فوجدوا مجموعة من الغلمان يلعبون، فجاء الخضر إلى واحد منهم، واقتلع رأسه وقتله، فاعترض موسى -عليه السلام- مرة ثانية؛ لأنه قتل غلاما بغير جرم يرتكبه، فوضح له أنه ارتكب مخالفة ثانية، ولم يصبر, فاعتذر موسى -عليه السلام- وقال: إن اعترضت بعد ذلك فلا تصاحبني، ولك عذرك في تركي، وساروا حتى دخلوا قرية، وطلبوا من أهلها طعاما فرفضوا، فوجد الخضر جدارا يميل للوقوع، فأقامه وأصلحه بلا أجرة، فاعترض موسى -عليه السلام- على إصلاح الجدار بلا أجرة، مع أن أهل القرية رفضوا إطعامهم ... فقال الخضر: هذه هي الثالثة ... وعلينا أن نفترق بعد أن أوضح لك خبر الأحداث الثلاثة.
أما السفينة فهي مملوكة لمساكين، ضعفاء يعملون في البحر، وكان وراءهم ملك ظالم، يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، بلا ثمن، فقمت بخرقها حتى لا يأخذها.
وأما الغلام، فقد طبع يوم طبع كافرا، وأبواه مؤمنان، فخشينا أن يكلفهما بسبب عاطفة الحب والشفقة، فيقعا في الضلال، ويتدينا بدينه.
وأما الجدار فهو مملوك لغلامين صغيرين يتيمين، وتحته كنز لهما١، وكان أبوهما صالحا، فأقمت الجدار، حتى يبلغا الرشد، ويستخرجا كنزهما.
١ اختلف العلماء في الكنز، فقال عكرمة وقتادة: كان مالا معدودا وهو الظاهر, وقال ابن عباس، وعمر مولى غُفْرة، وعثمان بن عفان: كان لوحا من ذهب كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن!! عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب!! عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح!! عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل!! عجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها!! لا إله إلا الله محمد رسول الله، "تفسير القرطبي ج١١ ص٣٨".