للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومجمل هذه النصيحة أن يبذل عطاء الله في طاعة الله، وبذلك يتمتع بالحياة الدنيا، وفي نفس الوقت يكون عمله كله للآخرة، وبهذا فسر ابن عباس، والجمهور قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} , فقالوا: إن معناها: لا تضيع عمرك في الدنيا في غير عمل صالح، فنصيب الإنسان في الدنيا هو عمره، والتعمير الحقيقي يكون بالعمل الصالح، والعمل الصالح هو قنطرة الخير في الآخرة١ ... ولذلك نصحوه بالإحسان في الدنيا، والمراد به التوجه الصادق بالعمل الصالح لله رب العالمين مع الصدق، وخلوص القصد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن الإحسان، قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ٢.

إن المؤمن الحقيقي يرى الآخرة كما يرى الدنيا، ويعرف القيمة الحقيقية لكل منهما.

فالدنيا دار ممر تنتهي بالموت، ومتاعها قليل، وخيرها لا يدوم، ومنغِّصاتها كثيرة، وقد يختلط خيرها بشرها؛ كمال يضيع في المرض، وسلطان يضعفه الخوف, وجمال يغيره النشوز والنكد، وجمع تهزمه الكوارث والنكبات ... وصدق الله العظيم وهو يصور متع الحياة الدنيا، يقول تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} ٣.

أما الآخرة فهي دار مقر وخلود، متاعها كثير، وخيرها عميم، خالية من الكدر والمنغصات، وليس فيها ضرر البتة، ويكفي أن الإنسان يتمتع فيها بحرية مطلقة، ما يريده يكون، وما يأمله يتحقق. أزواج حسان، وصحب كرام


١ تفسير القرطبي ج١٣ ص٣١٤.
٢ صحيح البخاري بشرح فتح الباري, كتاب الإيمان, باب سؤال جبريل ج١ ص١١٤.
٣ سورة الكهف آية: ٤٥.

<<  <   >  >>