للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قضى الله عليهم أن يتيهوا في البرية أربعين عاما، كما قال تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين} ١، وفي مدة التيه توفي موسى وهارون -عليهما السلام- وتولى الحكم فيهم رجل قوي سار بهم إلى الأرض المقدسة، وتمكن من فتحها وطرد الجبابرة، وكان عليهم أن يشكروا الله على هذا الفتح الذي انتظروه طويلا، ويبرزوا شكرهم بطاعة الله، لكنهم عصوا ما أمرهم الله به، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ٢, قيل لهم: ادخلوها ساجدين، فدخلوها بظهورهم، وقيل لهم: قولوا: حطة, فقالوا: حنطة.

واستمرءوا المعصية، وغالوا فيها، فعاقبهم الله، وأنزل عليهم عذابا من السماء، وسلط عليهم ملكا ظالما، هو جالوت، فأذلهم وقتل كثيرا من رجالهم، وطردهم من الأرض المباركة، التي جاءوها مع يوشع بن نون، واستولى على أموالهم وممتلكاتهم ... وتعاقب عليهم عدد من الأنبياء، يجددون لهم دعوة موسى -عليه السلام- وذات يوم شعروا بذنوبهم، وتبين لهم أنهم لن يخرجوا من الذل والهوان، إلا بشيء من الشجاعة والإباء، فجاءوا إلى نبي زمانهم، وطلبوا منه أن يبعث الله لهم ملكا، يقودهم لقتال جالوت، ويجمع كلمتهم، ويرفع من شأنهم، ويعيد لهم شيئا من كرامتهم الضائعة.

وقد جاءوا يطلبون ذلك من النبي؛ لأن النظام في بني إسرائيل أن يكون النبي من بيت، والملك من بيت آخر، والنبي يوجه، والملك يسوس ويحكم بتوجيه النبي.


١ سورة المائدة آية: ٢٦.
٢ سورة البقرة الآيات: ٥٨, ٥٩.

<<  <   >  >>