للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجمله، وأتمّه، فما كاد نظر النبي يقع عليه، حتى وقع في قلبه أنه هو الذي أوحى الله إليه بتمليكه، وأنه أرسله إليه ليحمله الزعامة، ولواء الجهاد، فلما كلفه، قال طالوت: وما أنا والملك, فإني من سبط بنيامين، وإني فقير؟ فقال له: هذه إرادة الله، وذاك أمره، فاشكره، وأطع بما كلفك به"١.

وفي الآيات درس له أهميته, وهي في شخصية طالوت القيادية، فقد اختاره الله بسعة في العلم، وقوة في البدن، وهما صفتان أساسيتان في القائد، فهو بعلمه يخطط ويأمر, ويراقب وينفذ، وبقوته البدنية يتحمل ويصبر، ويقدم ويضرب، ولقد أبدى طالوت صلابة ظاهرة في قيادته، حيث اختبر جنوده وهم عطاش بأن أمرهم بعدم الشرب من الماء، وهو اختبار صحيح وتدريب على الطاعة والإقدام، ولم يتردد طالوت في طرد الذين شربوا الماء، وخالفوا أوامره.

وانتصر طالوت بالمؤمنين، الذين يتيقنون أن النصر من عند الله تعالى.

وإن في قصة طالوت درسا بليغا للأمة الإسلامية؛ لتعلم, وتتيقن أن القوة كلها تكمن في قوة الإيمان، وصدق الاعتقاد، وخلوص النية، والقصد لله رب العالمين, يقول تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ٢. ومن الآيات ندرك شيئا عن طبائع القوم الذين بعث فيهم داود -عليه السلام- فهم قوم جبناء، يخافون لقاء عدوهم، وينتظرون النصر بواسطة غيرهم. وهم جماعة محبة للسلطة، والمال، والملك، وكان هذا الحب محركا لهم للجهاد، إلا أن الجبن كان يمنعهم.

وهم أناس تعودوا مخالفة دين الله؛ ولذلك عملوا على تحريف التوراة وتبديل الألواح.


١ تفسير القرطبي ج٣ ص٢٤٦.
٢ سورة البقرة آية: ٢٥٢.

<<  <   >  >>