للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن صرحا عمرانيا شامخا قد يقام، لكن قيمته تختلف من جماعة لأخرى، فهناك جماعة تجعله ناديا للعراة، أو للرقص، أو للقمار ... وأخرى تجعله مسجدا، أو مكتبة علمية ... وهكذا يأخذ التقدم المدني حضارة تقوم على فكر أصحابها.

ولقد أقام سليمان -عليه السلام- حضارة دينية، تحافظ على حق الله تعالى، وحقوق الآخرين، وتبتعد عن الظلم، والكبر، والاستعلاء ...

لقد استعرض سليمان جنوده من الجن، والإنس، والطير، بعددهم وعدتهم، فلما رأى فيهم القوة الهائلة الكافية، وسمع مقالة النملة لإخوانها تذكر فضل الله عليه، وأقر به، وطلب من الله أن يلهمه ويوفقه لشكر نعمه التي تفضل بها عليه، وعلى والديه، وأن يجعله عبدا صالحا، خاشعا، خاضعا لله رب العالمين، قال ما حكاه الله تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} ١، فلا غرور، ولا إستعلاء، ولا إهمال، لأي حق لله تعالى.

ولما تفقد الطير -عليه السلام- ووجد الهدهد غائبا غضب، وأنذره بالحساب والعقاب، بعد تحقيق معه يبين إن كان بريئا أو مذنبا، لإنزال العقوبة التي يستحقها فقط فلما جاء الهدهد، وقد سبب غيابه، وأدلته على ما يقول، تركه -عليه السلام- ولم يعاقبه التزاما بتطبيق عدل الله تعالى.

ولما أرسلت إليه ملكة سبأ هدية مالية ضخمة، على وجه الرشوة، غضب كثيرا، ورد الهدية وقال لمن حملوها إليه: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} ٢.


١ سورة النمل آية "١٩".
٢ سورة النمل الآيات "٣٦، ٣٧".

<<  <   >  >>