للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعاشت رضي الله عنها، حصيفة، حصينة، فاعتزلت الرجال، وعاشت لله رب العالمين، فجعلها الله مثلا للمؤمنات، الفانتات، يقول تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ١.

وحملت الملائكة بشرى الله لها، بأنها ستلد غلاما مميزا، اسمه المسيح عيسى٢ لا أب له، وينسب لأمه، عظيما في الدنيا، وجيها في الآخرة، ومن المقربين لله تعالى ويتكلم وهو في المهد بعد مولده، ويكون من الصالحين، الصادقين، يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} ٣.

تعجبت مريم من هذه البشرى، وتساءلت كيف يكون لي غلام من غير أن يمسني أحد من البشر في نكاح، ولا سفاح، يقول تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ٤.

وضاق الأمر بها، وتألمت وهي تتصور ذلك في عالم الواقع؛ لأنها لا تحب لوم الناس، وإتهامهم لها، فاعتزلت الناس، وجلست وحدها في جهة الشرق التي يعظمها قومها، وجعلت بينها وبينهم حجابا، فأرسل الله إليها روح عيسى عليه السلام فتمثل لها إنسانا كاملا، وأتاها في محرابها، ففزعت منه، واستعاذت بالله إن كان ممن يتقى


١ سورة التحريم آية "١٢".
٢ سمي عيسى من العيس وهو الجمال، لبياض لونه.
٣ سورة آل عمران الآيات "٤٥، ٤٦".
٤ سورة آل عمران آية "٤٧".

<<  <   >  >>