للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن الحق أن الجسد مخلوق لخدمة الروح، وطاعتها فيما توجه إليه.

إن الإنسان بتكونه المادي، والروحي، يسمو على سائر الخلائق، ويفضل الملائكة إذا سادت روحه، وقادت الجسد، يقول الشهر ستاني: "إن للبشر نفسين، نفس حيوانية لها قوتان: قوة الغضب، وقوة الشهوة، ونفس إنسانية لها قوتان: قوة علمية، وقوة عملية، وبقواها الحيوانية لها أن تجمع وتمنع، وبقواها الإنسانية لها أن تقسم الأمور، وتفصل الأحوال، ثم تعرض الأقسام والأحوال على العقل، فيختار العقل الذي هو كالبصر النافذ من العقائد، الحق دون الباطل، ومن الأقوال: الصدق دون الكذب، ومن الأفعال: الخير دون الشر، ويختار بقوته العملية من لوازم القوة الغضبية الشدة، والشجاعة والحمية، دون الذلة، والجبن، والنذالة، ويختار بها أيضا من لوازم "القوة الشه, ية" التآلف، والتودد، والرفعة، دون الشرة، والمهانة، والخساسة.... فيكون من أشد الناس حمية على خصمه وعدوه، ومن أرحم الناس تذللا وتواضعا لوليه وصديقه، وإذا بلغ هذا الكمال، فقد استخدام القوتين واستعملهما في جانب الخير، ثم يترقى منه إلى إرشاد الخلائق في تزكية النفوس عن العلائق، وإطلاقها عن قيد الشهوة والغضب، وإبلاغها إلى حد الكمال.

ومن المعلوم أن كل نفس شريفة عالية زكية هذه حالها، لا تكون كنفس لا تنازعها قوة أخرى على خلاف طباعها، وحكم "العنين" العاجز في امتناعه عن تنفيذ الشهوة، لا يكون كحكم المتصون، الزاهد، المتورع، في إمساكه عن قضاء الوطر مع القدرة عليه، فإن الأول مضطر عاجز، والثاني مختار، قادر، حسن الاختيار، جميل التصرف، وليس الكمال والشرف في فقدان القوتين، وإنما الكمال كله في استخدام القوتين"١.

وقالوا -ثانيا- إن الملائكة أولى بالرسالة من البشر؛ لأن الملائكة، أبدعت إبداعا، لا من شيء، وهي نورانية محضة، ديدنهم الطاعة، وطبيعتهم العبودية لله


١ الملل والنحل ج٢ ص١٣.

<<  <   >  >>