للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا مادة في تكونها يكدر صفاءها، فناسب ذلك أن تتلقى من الله، وتتصل بالملأ الأعلى ...

في الرد عليهم: نقول إن تفضيل الملائكة على البشر أتى من خطأين:

أولاهما: قولهم إن المبدع من لا شيء أشرف من المخترع من شيء، قول باطل؛ لأن الإنسان من حيث الروح مبدع بأمر الله تعالى، ويستوي في ذلك مع الملائكة، ومن حيث الجسد مخترع بخلق الله وقدرته، فزاد بذلك عن الملائكة وبخاصة إذا أدى الجسد إلى كمال الروح، وطهارتها، وكان خادما لها، مطيعا لتوجيهاتها.

ثانيهما: عقد المقارنة بين الروحاني، والمادي فيها قصور، وإنما المقارنة الصحيحة تكون بين الروحاني المجرد، والجسماني الروحاني المجتمع، وحينئذ يفضل الإنسان الملائكة لأن الجسد حينئذ تجميل وتحسين للروح.

والشخص الجميل يحسنه الثوب الحسن، والمعنى الراقي يزينه اللفظ البليغ.

وقالوا -ثالثا- إن الملائكة كمال مطلق، فهي مخلوقات علوية، لها قوة في تصريف الأجسام، وتقلب الأفلاك.

والرد عليهم: بأن الله قادر على كل شيء، يعطي لبعض خلقه ما يريد من تأثير، فهو سبحانه يعطي الملائكة، ويعطى الإنسان كما يريد.

وليس الكمال في المخلوقات العلويات فقط، بل هو في السفلية أيضا، والكمال في النهاية يتوقف على التوكل، والتسليم، والطاعة.

إن الإنسان ببدنه وعقله، يحس ويتخيل ويتوهم ويفكر، ويحفظ، ويتذكر، وهذا كاف ليقوم الإنسان بما كلف به، وكاف أيضا ليكون رسولا، مختارا من الله تعالى.

إن وجود الجانب المادي في الإنسان يعطي لطاعته قدرا وقيمة، فإن الملائكة كمال مطلق في الطاعة، لكن الناس محتاجون إلى كمال يكملهم، ويأخذ بيدهم، ويدعوهم

<<  <   >  >>