للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يعبدونه، ولسوف يرونه في يوم الطوفان، أو في يوم القيامة، كما أشار إلى ذلك المفسرون، إلا أن أبا السعود يرجح أن المقصود بهذا العذاب، عذاب يوم القيامة، ذلك أن عذاب الطوفان، وإن كان مؤلما، وعظيما، إلا أن عذاب يوم القيامة أشد وأعظم، بسبب دوامه وتنوعه، والصيغة تناسب هذه المبالغة في الشدة والعظم حيث أسندت الأليم والعظيم، إلى اليوم كما في نهاره صائم، وليله قائم، وأيضا فإن الغرق ليس نهاية عذابهم، وأقصاه فقد ذكر الله تعالى أنهم بعد إغراقهم في يوم الطوفان يحرقون، فقال تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} ١، مما يجعلنا نتسائل عن هذه النار، أهي نار في الدنيا، أم نار في يوم القيامة، وقصة إهلاكهم المفصلة في السور القرآنية خلت من الإشارة إلى هذا الإحراق، مما يدفعنا إلى الإيمان بأنها نار الآخرة ونتابع في ذلك إحدى روايات أبي السعود عن هذه النار، فقد ذكر أنها نار جهنم، تتزل بهم لا محالة، وتحققها ضروري، ولعل عطف إدخالهم النار على الإغراق بالفاء لبيان هذه الضرورة المحققة وكأنها تعقب الإغراق٢.

وكون المراد هو عذاب يوم القيامة، لا يمنع حدوث العذاب في يوم الطوفان، واندراجه في العذاب أنذرهم به سيدنا نوح عليه السلام، وخاف عليهم من وقوعه، وقد جاء في الجلالين، أن العذاب المراد هو عذاب الدنيا والآخرة معا٣.

وهكذا نجد سيدنا نوحا عليه السلام يخوف الناس من المعاد، وما فيه فآمن به الضعفاء وصدقوا بملاقاة الله في يوم القيامة، وأيقنوا بالبعث والحساب، فلما جاء المستكبرون إلى نوح يطعنون في هؤلاء الضعفاء، ويطالبونه بطردهم من حوله قال لهم: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} ٤، أي مصدقون بلقاء الله


١ سورة نوح آية "٢٥".
٢ تفسير أبي السعود ج٥ ص١٩٩.
٣ تفسير الجلالين ج١ ص١٠٦.
٤ سورة هود آية "٢٩".

<<  <   >  >>