للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقنون بذلك، عالمون أنهم ملاقوه لا محالة١، ولذلك فلن يطردهم من الاتباع، بعد هدايتهم وإيمانهم.

ولما أكثر المعارضين من العناد والتكبر، عرفهم نوح بأن الله يملك أمرهم في الدنيا والآخرة، فكما أنه المتصرف في الدنيا، فهو المتصرف في يوم القيامة، ولسوف يرجعون إليه ليحاسبهم فقال لهم: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٢ فأسلم بذلك أمرهم إلى الله وعرفهم أنهم سيرجعون إليه يوم القيامة للحساب والمؤاخذة.

ولعل الهدف من بيان حقيقة البعث وإثباته، أولا عند الناس هو تخويفهم من الإهمال وتحذيرهم من العصيان، ذلك أن الرسل، صلوات الله عليهم قدموا التخويف والتحذير في دعوتهم، وذكروا بهما قبل أي شيء آخر، وأعظم التخويف هو بالبعث ويوم القيامة، وإنما قدم الرسل ذلك لأن غالبية القوم مقلدون، والمقلد لا ينظر في الدليل، ولا يعتبر بالآيات إلا إذا أخاف، يقول الرازي، إن المقلد إذا خوف خاف وما لم يحصل الخوف في قلبه لا يشتغل بالاستدلال، ولهذا السبب قدم الرسل التخويف دائما كما أشارت لذلك سورة الشعراء حيث كان الرسل يقدمون "ألا تتقون "على أني لكم رسول أمين٣.

وقد تتابع الرسل بعد نوح عليه السلام وكلهم يثبت المعاد ويؤكده ويخوف قومه منه، فلقد خوف "هود" قومه من عذاب يوم عظيم وقدم لهم قوله "ألا تتقون" ليشعرهم بالخوف من عذاب الله الذي سينزل بهم وبخاصة في الآخرة، فلما أصروا على الكفر والضلال بين لهم إنهم استحقوا التأنيب في الدنيا والآخرن فقال لهم:


١ تفسير الكشاف ج٢ ص٢٦٦.
٢ سورة هود آية "٣٤".
٣ مفاتيح الغيب ج٦ ص٥٣٣.

<<  <   >  >>