للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهم قوم نوح دعوته لأركان العقيدة، وسمعوا براهينه, وبدل مناقشته في الدعوة اتهموه بالكذب؛ ولذا ردوا عليه، وزعموا أن الرسالة لا تكون لبشر، وقالوا لنوح: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} ١، {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} ٢.

وقالوا: إن جازت الرسالة لبشر فيجب أن يكون من عِلْيَة القوم ووجهائهم، وزعموا أن أتباع نوح من الفقراء الضعفاء الذين لا يفكرون في أمر، ولا يعقلون ما يريدون، ويتبعون الرأي عند ظهوره بلا تدبر فيه، وقالوا لنوح ما حكاه الله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ٣.

وقد رد نوح -عليه السلام- مزاعمهم، وبين لهم أن النبوة رحمة من الله، يصطفي لها من يشاء من عباده، وليس لهم أن يناقشوا في شخص الرسول، وعليهم أن ينظروا في معجزاته البينة، ومدى صدقه في دعوته، ولهم أن يسألوا أنفسهم عن غاية الرسول من كذبه على الله، وهو لا يأخذ منهم أجرا، والمؤمنون معه من الفقراء الذين لا جاه لهم ينتفع به، أو مالا يستولى عليه. فلماذا يكذب على الله إذًا!!

ومع كل هذا لم يؤمن القوم بالله، وعاشوا حتى هلكوا على الكفر والضلال ... وقد يسأل إنسان: وأين الشريعة في دعوة نوح عليه السلام؟

وهو سؤال له وجاهته، والجواب عليه يجلي الحقيقة ... وإن الشريعة منهج عملي تنظيمي للحياة، يحتاجها أصحاب العقيدة ليلتزموا بها، فمن اعتقد بالله أطاع شرعه، والكافر لا يحتاج لشريعة؛ لأنه كافر بالله أصلا، وقوم نوح لم يؤمنوا؛ ولذلك لم يكلفهم نوح -عليه السلام- بشريعة ما، ولم يأمرهم بها.


١ سورة هود آية: ٢٧.
٢ سورة "المؤمنون" آية: ٢٤.
٣ سورة هود آية: ٢٧.

<<  <   >  >>