ج- الاستمرار في الدعوة، والإلحاح في طلب الإيمان، من ضرورات الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن غاية الدعوة إيجاد إنسان جديد، ينخلع تماما من حياته وضلاله ليتحول إلى عبد رباني، ينطوي باطنه على قَبَس من نور الله، وتمتلئ جوارحه بالتقوى، والطاعة، والاستقامة على منهج الله.
إن هذا الأمر لا يحتاج إلى مجرد العرض، ولا يكفيه الطلب لمرة واحدة، ألا ترى الطبيب يداوم العلاج حتى يشفى مريضه، والتربية الجادّة تحتاج إلى مداومة، ومتابعة واستمرار مع مراحل العمركله.
وليس هناك أسمى من الدعوة، وكل بذل لها هو في الطريق الصحيح.
وقد طبق نوح -عليه السلام- هذه النقطة المنهجية تطبيقا كاملا، ويكفي الوقوف على مدة دعوته التي دامت ألف سنة إلا خمسين عاما، متحمِّلا كل مشقة، صابرا على كل عدوان، لم يترك فرصة للدعوة إلا قام بها، ملتزما بأخلاقه الكريمة، وكان يواصل الدعوة بصورة مستمرة، يبين ذلك بقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} .
د- الدعوة الإلهية تتصادم مع قُوى اجتماعية عديدة، فهي تتصادم مع الملأ ووجهاء القوم الذين يعيشون على استعباد الضعفاء، واستغلالهم.... كما تتصادم مع كل متأله من الناس، سواءكان تألهه بالتحليل والتحريم، وهو يشرع بعقله للناس، أو يحب أن يرفعه الناس إلى درجة الإله يخافونه، ويرجونه، ويعظمونه ... كما تتصادم مع كل ضال يعبد غير الله, سواء كان معبودا حسيا أو معنويا.
هذه الصدامات تؤدي إلى مشاق ومصاعب في طريق الدعوة؛ ولذلك لا بد من ملازمة الداعية للتحمل، والصبر، ومقابلة السيئة بالحسنى كمنهج لا بد منه لنجاح الدعوة.
ويعتبر نوح -عليه السلام- نموذجا عاليا في تطبيق هذه النقطة، فلقد كانوا يسخرون منه، ويشتمونه، ويصفونه بالكذب والجنون والسفه، ويؤذونه ويضربونه حتى