للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَصْلُ الثَّالِثُ: تَصْحِيحِ الحَدِيثِ، وتَطْبِيقِ السَّبْرِ، وَطَرِيقَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

المَبْحَثُ الأَوَّلُ: تَصْحِيحِ المُتَأَخِّرِينَ لِلْأَحَادِيثِ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ (١):

أثارَ ابنُ الصَّلاحِ مسألةَ تصحيحِ المتأخِّرينَ للحديثِ في مقدمتِهِ في علومِ الحديثِ، حينمَا ارتأَى انعدامَ إمكانيَّةِ تصحيحِ الأحاديثِ وتحسينِهَا منْ قبلِ المتأخِّرينَ (٢)، وقدْ حملَ بعضُ الأئمَّةِ كلامَ ابنِ الصَّلاحِ علَى الإطلاقِ في المنعِ منْ تصحيحِ الأحاديثِ، منهمُ الإمامُ النَّوويُّ «ت ٦٧٦ هـ»، وابنُ كثيرٍ «ت ٧٧٤ هـ»، والحافظُ العراقيُّ «ت ٨٠٦ هـ»، والحافظُ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ».

وعارضَ هؤلاءِ الأئمَّةُ ابنَ الصَّلاحِ في منعِهِ هذَا، فقالَ الإمامُ النَّوويُّ «ت ٦٧٦ هـ»: «مَنْ رَأَى فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ حَدِيثَاً صَحِيحَ الإِسْنَادِ فِي كِتَابٍ أَوْ جُزْءٍ لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ حَافِظٌ مُعْتَمَدٌ قَالَ الشَّيخُ - يعنِي ابنَ الصَّلَاحِ -: «لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لِضَعْفِ أَهْلِ هَذِهِ


(١) وسيأتي الحديثُ عن حكم المتأخرين على الرجال من خلال السبر، وكذلك الحديثُ عن تقوية الأحاديث بالمتابعات والشواهد من خلال السبر. انظر ص ١٩٤، وص ١٩٦.
(٢) قال ابن الصلاح في مقدمته: «إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثاً صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصاً على صحته في شيءٍ من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عرياً عما يُشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان، فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نصَّ عليه أئمَّة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود بما يتداول من أسانيد خارجاً من ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة». انظر مقدمة ابن الصلاح ص ١١.

<<  <   >  >>