للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَبْحَثُ السَّابِعُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ التَّصْحِيفِ فِي المَتْنِ:

لمعرفةِ التَّصحيفِ في المتنِ أهميَّةٌ كبيرةٌ، لا تقلُّ عنْ أهميَّةِ معرفتِهِ في الإسنادِ، لأنَّ سلامةَ مبنى الحديثِ هيَ سلامةٌ لمعناهُ، والتَّصحيفُ يُحيلُ اللَّفظَ عنِ المعنى المرادِ منهُ، ويزيدُ مِنَ الاختلافاتِ المرجوحةِ في الحديثِ الواحدِ التي تنبني عليهَا الأحكامُ الفقهيَّةُ، قالَ مسلمٌ «ت ٢٦١ هـ»: «وَكَنَحْوِ مَا وَصَفْتُ مِنْ هَذِهِ الجِهَةِ مِنْ خَطَأِ الأَسَانِيدِ فَمَوجُودٌ فِي مُتُونِ الأَحَادِيثِ مِمَّا يَعْرِفُ خَطَأَهُ السَّامِعُ الفَهِمُ حِينَ يَرِدُ عَلَى سَمْعِهِ، نَحْوُ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ حَيثُ صَحَّفَ، فَقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ التَّحَيُّرِ» أَرَادَ: النَّجَشَ. وَكَمَا رَوَى آَخَرُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحِرْفَةِ، وَكَذَا وَكَذَا … » أَرَادَ: مُلْحِدَاً فِي الحَرَمِ. وَكَرِوَايَةِ الآَخَرِ إِذْ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُتَّخَذَ الرُّوحُ عَرَضَاً» أَرَادَ: الرُّوحَ غَرَضَاً» (١).

وقدْ يكونُ سببُ التَّصحيفِ في المتنِ - بالإضافةِ إلى الخطأِ والوهمِ - روايةَ الحديثِ بالمعنى، لذَا اشترطَ العلماءُ لمنْ يروي الحديثَ بالمعنى أنْ يكونَ عالمَاً بمَا يُحيلُ المعاني، قالَ جريرُ ابنُ حازِمٍ (٢) «ت ١٧٠ هـ»: «كَانَ الحَسَنُ يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ، الأَصْلُ وَاحِدٌ وَالكَلَامُ مُخْتَلِفٌ» (٣).

ويُدركُ التَّصحيفُ في المتونِ أحيانَاً بداهةً حينمَا يكونُ سياقُ الحديثِ مُختلَّاً، غيرَ مفهومٍ بدايةً، ومعرفةُ الصَّوابِ فيهِ تكونُ بالطُّرقِ ذاتِهَا التي يُعرفُ بهَا التَّصحيفُ في الأسانيدِ (٤)، وذلكَ: بتنصيصِ الأئمَّةِ المشتهرينَ بضبطِ المتونِ وألفاظِهَا، وهوَ العمدةُ في ذلكَ.


(١) التمييز ص ١٧١.
(٢) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع، الأزدي، العتكي، أبو النضر البصري، «٨٥ هـ- ١٧٠ هـ» ثقة، من الحفاظ. انظر طبقات الحفاظ ص ٩٢.
(٣) الدارمي في السنن ١/ ١٠٥/ ٣١٧.
(٤) انظر ص ٣٧١ وما بعدها.

<<  <   >  >>