للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيثِ الشَّاذِّ وَالمُنْكَرِ مِنْ عَدَمِهِ:

السَّبرُ لتمييزِ الشَّاذِ منَ المحفوظِ، والمنكرِ منَ المعروفِ، يكونُ مِنْ جهاتٍ عدَّةٍ:

أولاً: بمَا أنَّ الشَّاذَّ والمنكرَ يشتركانِ بالإفرادِ، وذلكَ لعدمِ وجودِ متابعةٍ أو شاهدٍ لأحدِهِمَا، فإنَّ نفيَ المتابعِ والشَّاهدِ لا يكونُ إلَّا بالسَّبرِ وتتبُّعِ الطُّرقِ، ولا بُدَّ فيهِ كمَا بيَّنَّا في الفردِ والغريبِ مِنْ استفراغِ الوسعِ في التَّتبُّعِ حتَّى يُتيقَّنَ منْ عدمِ وجودِ متابعٍ أو شاهدٍ.

ثانياً: يُشترطُ في المحفوظِ والمعروفِ المقابلَينِ للشَّاذِّ والمنكرِ إمَّا زيادةُ الضَّبطِ أو كثرَةُ العددِ، وكثرةُ العددِ التي يُرجَّحُ بهَا المحفوظُ والمعروفُ على الشَّاذِّ والمنكرِ تستبينُ بالسَّبرِ وتتبُّعِ الطُّرقِ، قالَ الشَّافعيُّ «ت ٢٠٤ هـ»: «لِأَنَّ العَدَدَ الكَثِيرَ أَولَى بِالحِفْظِ مِنَ الوَاحِدِ» (١).

ثالثاً: إنَّ استيضاحَ المخالفةِ المرجوحةِ للشَّاذِّ والمنكرِ، والرَّاجحةِ للمحفوظِ والمعروفِ تتمُّ مِنْ خلالِ معارضةِ روايةِ الرَّاوي بروايةِ غيرِهِ، قالَ الإمامُ مسلمٌ «ت ٢٦١ هـ»: «وَعَلَامَةُ المُنْكَرِ فِي حَدِيثِ المُحَدِّثِ إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيرِهِ مِنْ أَهْلِ الحِفْظِ وَالرِّضَى خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتُهُمْ وَلَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا» (٢).

ويتطلَّبُ الوقوفُ على التَّفرُّدِ والمخالفةِ بالإضافةِ للسَّبرِ والمعارضةِ قدراً كبيراً مِنَ الفهمِ العميقِ والاطِّلاعِ الواسعِ، قالَ الدكتورُ حمزةُ المليباريُّ: «وَإِنْ كَانَ الوُقُوفُ عَلَى


(١) اختلاف الحديث ص ٥٢٣.
(٢) صحيح مسلم ١/ ٧.

<<  <   >  >>