للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الأَوَّلُ: الذَّمُّ مِنَ الاسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِ طُرُقِ الحَدِيثِ:

معَ ما رأينا مِنْ حِرصِ أئمَّةِ الحديثِ على جمعِ طُرقِ الحديثِ ومتونِهِ، والحثِّ على ذلكَ، وعدِّهِ المنهجَ العلميَّ الأدقَّ لاكتشافِ عللِ الحديثِ، وإبرازِ فوائدِهِ، فقدْ جاءتْ عباراتٌ منْ أهلِ العلمِ تذُمُّ إفناءَ العمرِ في جمعِ طرقِ الأحاديثِ وتتبُّعِ الأسانيدِ، منْ ذلكَ قولُ

الرَّامَهُرمزِي (١) «ت ٣٦٠ هـ» في مُقدِّمةِ كتابِهِ «المحدثِ الفاصِلِ»: «فَتَمَسَّكُوا - جَبَرَكُمُ اللهُ - بِحَدِيثِ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَبَيَّنُوا مَعَانِيهِ، وَتَفَقَّهُوا بِهِ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِهِ، وَدَعُوا مَا بِهِ تُعَيَّرُونَ مِنْ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ، وَتَكْثِيرِ الأَسَانِيدِ، وَتَطَلُّبِ شَوَاذِّ الأَحَادِيثِ … » (٢).

ومَا وردَ عنْ حمزةَ بنِ محمَّدٍ الكِنانيِّ (٣) الحافظِ «ت ٣٥٧ هـ»، قال: «خَرَّجْتُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مِئَتَي طَرِيقٍ، أَوْ مِنْ نَحْوِ مِئَتَي طَرِيقٍ، فَدَاخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ الفَرَحُ غَيرُ قَلِيلٍ، وَأُعْجِبْتُ بِذَلِكَ، فَرَأَيتُ لَيلَةً مِنَ الَّليَالِي يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، خَرَّجْتُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مِئَتَي طَرِيقٍ! قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَخْشَى أَنْ يَدْخُلَ هَذَا تَحْتَ «أَلْهَكُمُ التَّكَاثُرُ"» (٤).


(١) الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، الفارسي، أبو محمد، «نحو ٢٦٥ هـ - ٣٦٠ هـ»، محدث العجم في زمانه، من كتبه «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» في علوم الحديث. انظر تذكرة الحفاظ ٣/ ٩٠٥، وطبقات الحفاظ ١/ ٣٧٠.
(٢) المحدث الفاصل للرامهرمزي ١/ ١٦١.
(٣) حمزة بن محمد بن علي بن العباس، أبو القاسم الكناني، المصري، الحافظ، «٢٧٥ هـ - ٣٧٥ هـ»، له «البطاقة» أمالٍ في الحديث. انظر تذكرة الحفاظ ٣/ ٩٣٢.
(٤) جامع العلم وبيان فضله لابن عبد البر ٢/ ١٣٢.

<<  <   >  >>