للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ الشَّاطبيُّ (١) «ت ٧٩٠ هـ» معقِّبَاً على هذهِ القصَّةِ: «هَذَا مَا قَالَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الاِعْتِبَارِ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ مِنْ طُرُقٍ يَسِيرَةٍ كَافٍ فِي المَقْصُودِ مِنْهُ، فَصَارَ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ فَضْلَاً» (٢).

ومِنهَا قولُ عمَّارِ بنِ رُزَيقٍ (٣) «ت ١٥٩ هـ» لابنِهِ، لمَّا رَأى تطلُّبَهُ للحَديثِ: «يَا بُنَيَّ اعْمَلْ بِقَلِيلِهِ تَزْهَدْ فِي كَثِيرِهِ» (٤).

وَيُحمَلُ ذَمُّ تتبُّعِ الطُّرقِ والاستكثارِ منَ الأسانيدِ، على ما يأتي:

١ - أنْ يكونَ الجمعُ لغرضِ الجمعِ والحشوِ فحسب، منْ غيرِ تمييزِ الصحيحِ من الضعيفِ: طلباً للتباهي والكثرةِ فقط، وعلى هذا يُحمَلُ كلامُ ابنِ معينٍ «ت ٢٣٢ هـ» «أَخْشَى أَنْ يَدْخُلَ هَذَا تَحْتَ «أَلْهَكُمُ التَّكَاثُرُ»». وإلَّا فابنُ معينٍ «ت ٢٣٢ هـ» مِنْ أوائلِ منْ دَعَا إلى جمعِ الطُّرقِ، حيثُ قالَ: «لَو لَمْ نَكْتُبِ الحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهَاً مَا عَقَلْنَاهُ» (٥).

وقدْ بيَّنَ الخطيبُ «٤٦٣ هـ» سببَ الذَّمِّ هذا بقولِهِ: «وَلَو لَمْ يَكُنْ فِي الاِقْتِصَارِ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيثِ وَتَخْلِيدِهِ الصُّحُفَ، دُونَ التَّمْيِيزِ بِمَعْرِفَةِ صَحِيحِهِ مِنْ فَاسِدِهِ، وَالوُقُوفِ عَلَى اخْتِلَافِ وُجُوهِهِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي أَنْوَاعِ عُلُومِهِ، إِلَّا تَلْقِيبُ المُعْتَزِلَةِ القَدَرِيَّةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ


(١) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الغرناطي، الشهير ب «الشاطبي»، « … -٧٩٠ هـ»، من أئمة المالكية، من كتبه «الموافقات في أصول الفقه»، و «المجالس» شرح به كتاب البيوع من صحيح البخاري. انظر فهرس الفهارس ١/ ١٣٤، والأعلام للزركلي ١/ ٧٥.
(٢) انظر الموافقات للشاطبي ١/ ١١٤.
(٣) عمار بن رُزَيق الضَّبِّيُّ، التميمي، أبو الأحوص، «ت ١٥٩ هـ»، أخرج له «م د س جه». انظر تهذيب الكمال ٢١/ ١٨٩، وتقريب التهذيب ١/ ٧٠٦.
(٤) جامع العلم وبيان فضله لابن عبد البر ٢/ ١٣٢.
(٥) تاريخ ابن معين (رواية الدوري) ٤/ ٢٧١.

<<  <   >  >>