للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الإِرْسَالِ فِي الإِسْنَادِ:

الحديثُ المرسَلُ يُعرفُ بمجرَّدِ أنْ يُعلمَ أنَّ الذي حدَّثَ بهِ عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- تابعيٌّ، لكنْ لا بدَّ منْ تمييزِ التَّابعينَ منَ الصَّحابةِ منْ غيرِهِمْ، ومظنَّةُ ذلكَ الكتبُ المصنَّفةُ في الصَّحابةِ خصوصَاً، وفي الطَّبقاتِ والرِّجالِ عُمومَاً (١).

والسَّبرُ إنَّمَا يكونُ للبحثِ عنْ طرقٍ أخرى للمرسلِ حتَّى يصلحَ أنْ يُحتجَّ بهِ، أو للتَّرجيحِ بينَ روايتي الوصلِ أو الإرسالِ في حالِ التَّعارضِ، نُبيِّنُ ذلكَ فيمَا يأتي:

أوَّلَاً: تقويةُ الحديثِ المرسَلِ بغيرِهِ:

خلصنَا في حكمِ المرسلِ إلى أنَّه ضعيفٌ ما لمْ يصحَّ مخرجُهُ بمجيئِهِ منْ وجهٍ آخرَ، وهوَ

ما ذهبَ إليهِ الإمامُ الشَّافعيُّ حيثُ اشترطَ الاعتبارَ للاحتجاجِ بالمرسَلِ، والاعتبارُ: هوَ أنْ يعتضدَ المرسَلُ بواحدٍ منْ أربعةِ أمورٍ، سبيلُ الكشفِ عنهَا هوَ السَّبرُ وتتبُّعُ الطُّرقِ، وهيَ:

١ - أنْ يُروى مُسندَاً مِنْ وجهٍ آخرَ: مثالُ ذلكَ ما ذكرَهُ ابنُ عبدِ البَّرِّ «ت ٤٦٣ هـ»، في حديثٍ رواهُ داودُ بنُ الحُصينِ مرسلاً منْ وجهٍ، مُتَّصلاً منْ وجهٍ صحيحٍ، فقالَ: «مَالِكُ، عَنْ


(١) ينبغي التَّنبُّه إلى أنَّ بعض الرُّواة عُدَّ من التَّابعين ولم يسمع من الصَّحابة، كإبراهيم النَّخعيِّ، وطبقة عدادهم في أتباع التَّابعين وقد لقوا الصَّحابة، كأبي الزِّناد، وقوم عُدُّوا من التَّابعين وهم من الصَّحابة كالنُّعمان وسويد ابني مقرِّن. انظر مقدِّمة ابن الصَّلاح ص ٣٠٦.

<<  <   >  >>