للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ المُتَوَاتِرِ وَالآَحَادِ وَالمَشْهُورِ وَالعَزِيزِ:

ذكرَ بعضُ أئمَّةِ الحديثِ بأنَّ المتواترَ لا يدخلُ في مصطلحِ الحديثِ، وليسَ منْ صناعةِ هذَا العلمِ، وعلَّلوا ذلكَ بأنَّ علمَ أصولِ الحديثِ يُبْحَثُ فيهِ عمَّا يُوصِلُ إلى صحَّةِ الحديثِ أو حُسنِهِ أو ضَعفِهِ، والمتواترُ لا يُحتَاجُ فيهِ إلى البحثِ، فالقوَّةُ فيهِ حاصلةٌ ضرورةً بالكثرةِ، وعلى ذلكَ فالعلمُ بهِ يشتركُ فيهِ العالمُ وغيرُهُ، والآحادُ لا يحصلُ إلَّا للعالمِ المتبحِّرِ فيهِ.

إلَّا أنَّهُ ينبغي التَّنبُّهُ إلى أنَّ آليَّةَ التَّوصُّلِ لمعرفةِ المتواترِ مِنْ مهامِّ علماءِ الحديثِ، وسبيلُ ذلكَ السَّبرُ وجمعُ الطُّرقِ، فالمتواترُ مِنْ حيثُ إفادةُ القوَّةِ لا يدخلُ في هذَا العلمِ، وإنَّمَا يدخلُ فيهِ مِنْ جهةِ طُرقِ معرفتِهِ وهيئةِ التَّوصُّلِ إليهِ، لذَا فإنَّ ابنَ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ» بيَّنَ عدمَ دخولِ المتواترِ في علمِ الإسنادِ في معرضِ كلامِهِ عنْ الفرقِ بينَ العلمِ الضَّروريِّ والعلمِ النَّظريِّ - وهذَا مبحثٌ منْ مباحثِ أصولِ الفقهِ - فقالَ: «وَإِنَّمَا أُبْهِمَتْ شُرُوطُ المُتَوَاتِرِ فِي الأَصْلِ، لِأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الكَيفِيَّةِ لَيسَ مِنْ مَبَاحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ، إِذْ عِلْمُ الإِسْنَادِ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ صِحَّةِ الحَدِيثِ أَوْ ضَعْفِهِ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ أَوْ يُتْرَكَ، مِنْ حَيثُ صِفَاتِ الرِّجَالِ وَصِيَغِ الأَدَاءِ. وَالمُتَوَاتِرُ لَا يُبْحَثُ عَنْ رِجَالِهِ، بَلْ يَجِبُ العَمَلُ بِهِ مِنْ غَيرِ بَحْثٍ» (١).

وأمَّا دخولُهُ في علمِ أصولِ الحديثِ مِنْ جهةِ الإسنادِ فقدْ بيَّنَ القاريُّ «ت ١٠١٤ هـ» في شرحِهِ لعبارةِ ابنِ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «الإِسْنَادُ: حِكَايَةُ طَرِيقِ المَتْنِ». رادَّاً شبهةَ لزومِ


(١) نزهة النظر ص ١٩٧.

<<  <   >  >>