للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ الحَدِيثِ المُدَلَّسِ، وَمَذَاهِبُ العُلَمَاءِ فِي حُكْمِ التَّدْلِيسِ:

تبيَّنَ في تعريفِ التَّدليسِ وأقسامِهِ أنَّهُ ضربٌ منَ الإيهامِ، وإخفاءٌ للعيبِ، وليسَ بكذبٍ، وقدَ اختلفَ العلماءُ في حكمِ التَّدليسِ على أربعةِ مذاهبَ (١)، نقتصرُ على إيرادِ مذهبِ جمهورِ أهلِ الحديثِ:

قالَ الخطيبُ «ت ٤٦٣ هـ»: «خَبَرُ المُدَلِّسِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا أَنْ يُورِدَهُ عَلَى وَجْهٍ مُبَيَّنٍ غَيرِ مُحْتَمِلٍ لِلإِيهَامِ، فَإِنْ أَورَدَهُ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا» (٢). وصحَّحهُ ابنُ الصَّلاحِ (٣)، وأخذَ بهِ جمهورُ الفقهاءِ، لا سيمَا الشَّافعيُّ، فإنَّهُ أجراهُ فيمنْ عرفناهُ دلَّسَ مرَّةً (٤). ويدلُّ على صحَّةِ ذلكَ أنَّ في الصَّحيحينِ وغيرِهمَا مِنَ الكتبِ المعتمدةِ كثيرَاً مِنْ أصحابِ هذَا الضَّربِ ممَّا صرَّحَ فيهِ بالسَّماعِ، كقتادةَ، والأعمشِ، وغيرِهِمْ.

وبهذَا يتبينُ حكمُ الحديثِ المدلَّسِ، فمَا وردَ بصيغةٍ مُحتملَةٍ للسَّماعِ كالعنعنةِ، فهوَ ضعيفٌ مردودٌ، لما فيهِ منْ شبهةِ انقطاعٍ بينَ المدلِّسِ ومَنْ عنعنَ عنهُ، فقدْ يكونُ السَّاقطُ شخصَاً أو أكثرَ، وقدْ يكونُ ثقةً أو ضعيفَاً (٥).


(١) انظر تفصيل المذاهب في الكفاية ص ٣٦١، ومقدِّمة ابن الصَّلاح ٧٥، والنُّكت للزَّركشيِّ ٢/ ٨١ و ٨٩.
(٢) الكفاية في علوم الرواية ص ٣٦١.
(٣) مقدِّمة ابن الصَّلاح ص ٧٣.
(٤) قال الشَّافعي «ت ٢٠٤ هـ»: «ومن عرفناه دلَّس مرَّة فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بالكذب فنردُّ بها حديثه، ولا النَّصيحة في الصِّدق، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النَّصيحة في الصِّدق». الرسالة ص ٣٧٩.
(٥) الجمهور على أنَّ الحديث المعنعن من الحديث المتَّصل بشرطين: أن يثبت لقاء الرَّاوي لمن روى عنه بالعنعنة، وأن يكون بريئاً من وصمة التَّدليس. إلا أنَّ مسلماً خالف في اشتراط التَّنصيص على ثبوت اللقاء = = واكتفى بشرط المعاصرة. انظر تفصيل ذلك في التَّمهيد ١/ ١٢، وابن الصَّلاح ص ٦١، وشرح علل التِّرمذي ٣٦٥ - ٣٧٣.

<<  <   >  >>