للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: تَرْجِيحُ الحُكْمِ عَلَى الرَّاوِي الذِي تَعَارَضَ فِيهِ الجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ:

الحكمُ على الرُّواةِ جرحاً أو تعديلاً خاضعٌ لاجتهادِ أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديلِ، وكلُّ ما كانَ مرجعُهُ الاجتهادُ حصلَ فيهِ الاختلافُ، وقدِ اختلفَ أئمَّةُ الجرحِ والتَّعديلِ في بعضِ الرُّواةِ، والاختلافُ قدْ يكونُ منْ ناقدٍ واحدٍ، أو منْ ناقدينِ فأكثرَ، وللعلماءِ في تعارضِ الجرحِ والتَّعديلِ مِنْ ناقدينِ فأكثرَ (١) مذاهبُ، نُجملُهَا فيمَا يأتي، معَ التَّفصيلِ في مسألةِ التَّرجيحِ بينَ الجرحِ والتَّعديلِ مِنْ خلالِ السَّبرِ:

أولاً: يُقدَّمُ الجرحُ على التَّعديلِ: وهوَ رأيُ الجمهورِ مِنَ المحدِّثينَ والأصوليِّينَ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «لِأَنَّ المُعَدِّلَ يُخْبِرُ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ، وَالجَارِحُ يُخْبِرُ عَنْ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى المُعَدِّلِ» (٢). وتقديمُ الجرحِ على التَّعديلِ ليسَ على إطلاقِهِ، وإنَّمَا يكونُ بشروطٍ (٣).

ثانياً: يُقدَّمُ التَّعديلُ إذا كانَ عددُ المعدِّلينَ أكثرَ مِنَ المجرِّحينَ: وقدْ ردَّهُ الخطيبُ «ت ٤٦٣ هـ» فقالَ: «وَهَذَا خَطَأٌ مِمَّنْ تَوَهَّمَهُ، لِأَنَّ المُعَدِّلِينَ لَيسُوا يُخْبِرُونَ عَنْ عَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الجَارِحُونَ» (٤).


(١) أما إذا كان من ناقدٍ واحدٍ، فقد قال السيوطي «٩١١ هـ»: «إذا كان من قائل واحد، فهذا قد لا يكون تناقضاً، بل نسبياً في أحدهما، أو ناشئا عن تغير اجتهاد … ». انظر فتح المغيث ١/ ٣١٠.
(٢) مقدمة ابن الصلاح ١/ ١٠٨.
(٣) وهذه الشروط هي: ١ - أن يكون الجرح مفسراً، مستوفياً لسائر الشروط. ٢ - أن لا يكون الجارح متعصباً على المجروح أو متعنتًا في جرحه. ٣ - ألا يبين المعدل أن الجرح مدفوع عن الراوي، ويثبت ذلك بدليل الصحيح. لتفصيل الشروط انظر الرفع والتكميل ص ١١٤.
(٤) الكفاية للخطيب ١/ ١٠٧.

<<  <   >  >>