للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَبْحَثُ الثَّانِي: حُكْمِ المُتَقَدِّمِينَ، وَسَبْرُ المُتَأَخِّرِينَ:

منْ خلالِ ما تقدَّمَ نخلصُ إلى أنَّ أئمَّةَ الجرحِ والتَّعديلِ مِنَ المتقدِّمينَ لمْ يحكمُوا على الرُّواةِ إلَّا بعدَ مخالطتِهِمْ ومعاينةِ أحوالِهم أوَّلاً، وسبرِ واختبارِ أحاديثِهِمْ ثانيَاً، فمنْ وجدنَا فيهِ مِنَ الرُّواةِ حكمَاً لإمامٍ منْ أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديلِ الموسومينَ بالتَّشدُّدِ أو الاعتدالِ، كانَ حكمَاً قاطعَاً منهُمْ على عدالةِ الرَّجلِ وضبطِهِ، جرحَاً أو تعديلَاً.

ولا يُمكنُ نقضُ حكمِ المتقدِّمينَ بسبرِ المتأخِّرينَ، ولو كانَ ما توصَّلَ إليهِ المتأخِّرونَ

مُخالفَاً لما نصَّ عليهِ أئمَّةُ الجرحِ والتَّعديلِ المتقدِّمينَ، لأنَّ المتقدِّمينَ بمعاينتِهِمْ ومُكْنتِهِمْ

اطَّلعُوا على ما لمْ يطَّلعْ عليهِ المتأخِّرونَ منْ حالِ الرَّاوي وروايتِهِ.

والحكمُ على الرِّجالِ مِنْ خلالِ السَّبرِ عندَ المتأخرينَ

يُعتمدُ في حالاتٍ معيَّنةٍ، وبضوابطَ مهمَّةٍ، نُجملُهَا فيمَا يأتي:

أولاً: الرُّواةُ الذينَ حكمَ الأئمَّةُ بعدالتِهِم دونَ ضبطِهِمْ: كمَا تقدَّمَ في أصحابِ المرتبةِ الخامسةِ منْ مراتبِ «التَّعديلِ» على تقسيم ابنِ حجرٍ (١)، فهؤلاءِ يُحكمُ بتوثيقِهِمْ أو تضعيفِهِمْ منْ خلالِ معرفةِ ضبطِهِمْ بسبرِ أحاديثِهِم، قالَ الدُّكتور حاتمُ العوفيُّ: «أَمَّا طَرِيقَةُ السَّبْرِ التِي سَارَ عَلَيهَا المُتَقَدِّمُونَ فَلَا يُمْكِنُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ الاِعْتِمَادُ عَلِيهَا لِمعْرِفَةِ ضَبْطِ الرُّوَاةِ اسْتِقْلَالَاً، أَي: دُونَ أَنْ يَكُونُوا مَسْبُوقِينَ بِنَحْوِ حُكْمِهِمْ مِنْ إِمَامٍ مُتَقَدِّمٍ» (٢). فإذَا


(١) انظر ص ١٨٢.
(٢) خلاصة التأصيل في علم الجرح والتعديل ص ٢٠.

<<  <   >  >>