للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمَ إمامٌ متقدمٌ على عدالةِ راوٍ لمخالطتِهِ ومعاينةِ حالِهِ، ولمْ يردْ فيهِ حكمٌ على ضبطِهِ، جازَ للمتأخِّرِ سبرُ حديثِهِ ليستبينَ أحدُ جانبي الجرحِ أو التَّعديلِ.

ثانيَاً: الرُّواةُ المَجْهولونَ وَالمستورونَ: الحكمُ يكونُ بقبولِ حديثِ مثلِ هؤلاءِ حيثُ يتابعُ على حديثِهِمْ، وذلكَ إذَا كانَ حديثُهُمْ قليلاً، ولمْ يثبتْ ما يُتركُ لأجلِهِ، وهوَ مذهبُ ابنُ حجرٍ - رحمه الله - فيمنْ اختارَ قبولَهُمْ في التَّقريبِ.

ثالثاً: التَّرجيحُ في الرَّاوي المختلفِ فيهِ جرحَاً أو تعديلَاً: فإذَا اشتدَّ الاختلافُ في الرَّاوي جرحَاً وتعديلاً بلا مُرجِّحٍ، فيمكنُنَا اللجوءُ إلى سبرِ حديثِ الرَّاوي كمرجِّحٍ في قبولِ حديثِهِ، ما لمْ يثبتِ الطَّعنُ في عدالتِهِ.

وقدْ أشارَ المُعلِّميُّ «ت ١٣٨٦ هـ» إلى عسرِ ذلكَ على المعاصرينَ، إلَّا في بعضِ الحالاتِ القليلةِ، فقالَ: «وَهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَ المُحَدِّثِ - أَي اسْتِقَامَةُ الرِّوَايَةِ - بِتَتَبُّعِهِ أَحَادِيثَ الرَّاوِي وَاعْتِبَارِهَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كُلَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاوِي مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ - وَهَذَا لَا يَتَيَسَّرُ لِأَهْلِ عَصْرِنَا - لَكِنْ إِذَا كَانَ القَادِحُونَ فِي الرَّاوِي قَدْ نَصُّوا عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ مِنْ حَدِيثِهِ، بِحَيثُ ظَهَرَ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ مُسْتَقِيمٌ، فَقَدْ يَتَيَسَّرُ لَنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ لَهَا مَخَارِجَ قَوِيَّةً تَدْفَعُ التُّهْمَةَ عَنِ الرَّاوِي فَقَدْ ثَبَتَتْ اسْتِقَامَةُ رِوَايَتِهِ» (١).

والخلاصةُ أنَّهُ لا بدَّ مِنْ إفرادِ مسألةِ «الحكمُ على الرِّجالِ مِنْ خلالِ السَّبرِ» في كتابٍ مستقلٍّ، والاستفاضةِ في بيانِ آراءِ أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديلِ باستقراءِ مناهجِهِمْ.

* * *


(١) انظر التنكيل للمعلمي ١/ ٨٠.

<<  <   >  >>