للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الرَّابِعُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ العَالِي وَالنَّازِلِ:

انطلاقَاً مِنْ أهميَّةِ الإسنادِ العالي، فقدَ رحلَ الأئمَّة في تطلُّبِهِ، وقدْ بيَّنَّا سابقَاً أنَّ الرِّحلةَ كانتْ غرضَاً مِنْ أغراضِ جمعِ الحديثِ وسبرِهِ (١)، ومِنْ أغراضِ السَّبرِ تطلُّبُ العالي مِنَ الأسانيدِ وتمييزُهُ مِنَ النَّازلِ، قالَ الحافظُ المقدسيُّ «ت ٥٠٧ هـ»: «أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى طَلَبِهِمْ العُلُوَّ وَمَدْحِهِ، إِذْ لَو اقْتَصَرُوا عَلَى سَمَاعِهِ بِنُزُولٍ لَمْ يَرْحَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ» (٢).

وقدْ بيَّنتُ في مطلبِ «أقسامُ العالي والنَّازلِ» أنَّ علوَّ ونزولَ المسافةِ يُدركُ بالسَّبرِ، بتباينِ عددِ الرُّواةِ بينَ كِلَا الإسنادينِ، إلى جانبِ صحَّتِهِمَا وثقةِ رُواةِ كلٍّ منهُمَا، فذلكَ شرطٌ مهمٌّ في اعتمادِ العالي والنَّازلِ، إذ العددُ وحدُهُ غيرُ كافٍ، وهوَ المقصودُ مِنْ كلامِ الحاكمِ، حيثُ قالَ: «فَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْعَالِيَةِ مِنَ الْأَسَانِيدِ فَلَيسَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ عَوَامُ النَّاسِ يَعُدُّونَ الْأَسَانِيدَ، فَمَا وَجَدُوا مِنْهَا أَقْرَبَ عَدَدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَهَّمُونَهُ أَعْلَى» (٣).

وقدْ كانَ جُلُّ غرضِ المستخرجينَ تطلُّبَ علوِّ الأسانيدِ، قالَ السَّخاويُّ «ت ٩٠٢ هـ»: «فَالمُسْتَخْرِجُونَ لَيسَ جُلُّ قَصْدِهِمْ إِلَّا العُلُوَّ، يَجْتَهِدُونَ أَنْ يَكُونُوا هُمْ وَالمُخَرَّجُ عَلَيهِ سَوَاءٌ» (٤).


(١) انظر ص ٨٤.
(٢) العلو والنزول ص ٥٤.
(٣) معرفة علوم الحديث ١/ ٩.
(٤) فتح المغيث ١/ ٣٩.

<<  <   >  >>