للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيَّنَ المقدسيُّ «ت ٥٠٧ هـ» غرضَ البخاريِّ منْ إيرادِ طرقٍ متعدِّدةٍ للحديثِ في أكثرِ منِ موضعٍ، فقالَ: «وَمِنْهَا أَحَادِيثُ زَادَ فِيهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ رَجُلَاً فِي الإِسْنَادِ وَنَقَصَهُ بَعْضُهُمْ، فَيُورِدُهَا عَلَى الوَجْهَينِ، حَيثُ يَصِحُّ عِنْدَهُ أَنَّ الرَّاوِي سَمِعَهُ مِنْ شَيخٍ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ آَخَرَ، ثُمَّ لَقِيَ الآَخَرَ فَحَدَّثَهُ بِهِ، فَكَانَ يَرْوِيهِ عَلَى الوَجْهَينِ» (١).

وينبغي التَّنبُّهُ عندَ السَّبرِ إلى أنَّ العاليَ والنَّازلَ قدْ يشتبهانِ بغيرِهِمَا، فقدْ يُعدُّ العالي مُنقطعاً والنَّازلُ متَّصلاً، وقدْ تكونُ الزِّيادةُ في النَّازلِ وهماً، أي: مِنْ قبيلِ المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، وقدْ يكونُ في العالي سَقْطٌ بفعلِ المدلِّسينَ، فلا بُدَّ منْ قرائنَ تُؤكِّدُ صحَّةَ الإسنادِ على الوجهينِ، منهَا:

أوَّلَاً: خُلُوُّ السَّنَدِ مِنْ عَنْعَنَةِ المُدَلِّسِ: فإذَا كانَ في الإسنادِ الذي يُظنُّ عالياً مُدَلِّسٌ وروى الحديثَ بالعنعنةِ، فمنَ الممكنِ أنْ يكونَ المدلِّسُ قدْ أسقطَ الرَّاوي المزيدَ في النَّازلِ، فيُشكلُ بِعَدِّ النَّاقصِ عاليَاً. فإذَا خلَا الحديثُ مِنْ عنعنةِ المدلِّسِ، أو جاءَ مِنْ طريقٍ أُخرى بالتَّحديثِ انتفَى التَّدليسُ (٢) وعُلِمَ أنَّهُ مرويٌّ على الوجهينِ، ما لمْ تقُم قرينةٌ على غيرِ ذلكَ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «الإِسْنَادُ الخَالِي عَنِ الرَّاوِي الزَّائِدِ إِنْ كَانَ بِلَفْظَةِ «عَنْ» فِي ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِإِرْسَالِهِ، وَيُجْعَلَ مُعَلَّلَاً بِالإِسْنَادِ الذِي ذُكِرَ فِيهِ الزَّائِدُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّمَاعِ أَوْ بِالإِخْبَارِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ عَنْهُ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْهُ نَفْسَهُ» (٣).


(١) مقدمة فتح الباري ١/ ١٥.
(٢) كما سيأتي بيانه في التطبيق الآتي آخر المبحث ص ٣٤٨، الممثَّل به على أثر السبر في معرفة العالي والنازل.
(٣) مقدمة ابن الصلاح ص ٢٨٦.

<<  <   >  >>