للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي تَعْيِينِ المُبْهَمِ وَتَمْيِيزِ المُهْمَلِ فِي الإِسْنَادِ:

قبلَ أنْ نبدأَ الكلامَ علىْ أثرِ السَّبرِ في تعيينِ المبهمِ وتمييزِ المهملِ، لا بُدَّ مِنْ بيانِ أهميَّةِ ذلكَ في الإسنادِ، أمَّا تعيينُ المبهمِ فقدْ قالَ أبو زُرعةَ العراقيُّ «ت ٨٢٦ هـ»: «وَأَمَّا مُبْهَمَاتُ الإِسْنَادِ فَلَا يَخْفَىْ شِدَّةُ الاِحْتِيَاجِ إِلَىْ مَعْرِفَتِهَا، لِتَوَقُّفِ الاِحْتِجَاجِ بِالحَدِيثِ عَلَىْ مَعْرِفَةِ أَعْيَانِ رُوَاتِهِ [وَأَحْوَالِهِمْ]» (١). هذَا إذَا كانَ المبهمُ مِنْ غيرِ الصَّحابةِ، لأنَّ الصَّحابةَ عدولٌ كلُّهُمْ، ولا تقدحُ بهِمُ الجهالةُ، إلَّا أنَّ معرفةَ المبهمِ إذَا كانَ صحابيَّاً مِنَ الأهميَّةِ بمكانٍ، بيَّنَ ذلكَ السَّخاويُّ «ت ٩٠٢ هـ» فقالَ: «مِنْ فَوَائِدِهِ: أَنْ يَكُونَ المُبْهَمُ سَائِلَاً عَنْ حُكْمٍ عَارَضَهُ حَدِيثٌ آَخَرُ، فَيُسْتَفَادُ بِمَعْرِفَتِهِ النَّسْخُ وَعَدَمُهُ، إِنْ عُرِفَ زَمَانُ إِسْلَامِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ، وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ قِصَّةٍ شَاهَدَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ» (٢).

وأمَّا تمييزُ المهملِ: فتظهرُ فائدتُهُ فيمَا إذَا كانَ أحدُهُمَا ثقةً والآخرُ ضعيفَاً، فتعيينُ الرَّاوي وتمييزُهُ عَنْ غيرِهِ أساسٌ لبيانِ حالِهِ، وفي حالِ كونِهِمَا ثقتينِ فلا يضرُّ الإهمالُ بصحَّةِ الحديثِ، لأنَّهُ صحيحٌ عنهُمَا، وكذلكَ للأمنِ مِنَ اللَّبسِ بجعلِ الواحدِ اثنينِ.

وتعيينُ المبهمِ وتمييزُ المهملِ يحصلُ بمَا يأتي:


(١) المستفاد من مبهمات المتن والإسناد ١/ ٩٢. وما بين معقوفتين من إدراج الكاتب لأن الاحتجاج يتوقف على معرفة عين وحال الراوي، ولا يكتفى بمجرد معرفة عينه. انظر كلام ابن كثير في علوم الحديث ٢/ ٦٥٢.
(٢) فتح المغيث ٣/ ٣٠١.

<<  <   >  >>