للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيثِ الفَرْدِ وَالغَرِيبِ مِنْ عَدَمِهِ:

مثَّلَتْ كتبُ علومِ الحديثِ ومصطلحِهِ للحديثِ الفردِ والغريبِ في معرضِ ذكرِهَا لأنواعِهِ، بإيرادِ الأحاديثِ ومواضعِ التَّفرُّدِ أو الغرابةِ فيهَا، وآثرتُ إفرادَ الأمثلةِ في مطلبٍ خاصٍّ لبيانِ أثرِ السَّبرِ في معرفةِ الحديثِ الفردِ أو الغريبِ منْ عدمِهِ، منْ خلالِ ما يأتي:

أَوَّلَاً: دَرْءُ التَّفَرُّدِ عَنْ حَدِيثٍ نَصَّ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَلَى تَفَرُّدِهِ لِوُرُودِ مُتَابِعٍ لَهُ:

الحكمُ على حديثٍ ما بالتفرُّدِ أو الغرابةِ لا بُدَّ أنْ يكونَ بعدَ سَعَةِ اطِّلاعٍ ووسعِ تتبُّعٍ وسبرٍ لطُرقِ الحديثِ، ليُعلمَ يقينَاً أنَّ الحديثَ عريٌّ عنِ المتابعِ والشَّاهدِ، قالَ الزركشيُّ «ت ٧٩٤ هـ»: «وَيَحْتَاجُ - مَعْرِفَةُ الفَرْدِ وَتَحْدِيدُهُ - اتِّسَاعُ البَاعِ فِي الحِفْظِ، وَكَثِيرَاً مَا يَدَّعِي الحَافِظُ التَّفَرُّدَ بِحَسَبِ عِلْمِهِ، وَيَطَّلِعُ غَيرُهُ عَلَى المُتَابِعِ» (١). ولذَا فإذَا كانَ التَّفرُّدُ عندَ منْ تدورُ عليهمُ الأحاديثُ والرِّواياتُ فغالبَاً ما يكونُ الحكمُ قاطعَاً ولا يُطمَعُ في وجودِ متابعٍ أو شاهدٍ، قالَ النَّوويُّ «ت ٦٧٦ هـ»: «وَإِذَا قَالُوا: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو هُرَيرَةَ، أَوْ ابْنُ سِيرِينَ، أَوْ أَيُّوبُ، أَوْ حَمَّادُ، كَانَ مُشْعِرَاً بِانْتِفَاءِ وُجُوهِ المتَابَعَاتِ كُلِّهَا» (٢).


(١) نكت الزركشي على مقدمة ابن الصلاح ٢/ ١٩٨.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ٣٤.

<<  <   >  >>