للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَبْحَثُ الثَّانِي: أَهَمِّيَّةُ السَّبْرِ، وَأَقْوَالُ الأَئِمَّةِ فِيهِ:

اهتمَّ العلماءُ اهتمامَاً بالغَاً بحفظِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ المطهَّرَةِ، ولذا وضعُوا قواعِدَ دقيقةً لصيانةِ السنَّةِ النَّبويَّة منَ الوضعِ والتحريفِ، وتمييزِ الصحيحِ من الضعيفِ، والمنقولِ من الموضوعِ، من خلالِ النَّظرِ والتَّدقيقِ في الأسانيدِ والمتونِ، وكانَ دأبُهُمْ في البدايةِ النظرَ في حالِ الرَّاوي من حيثُ الأهليةِ والأداءِ، والعدالةِ والضبطِ، ولمَّا كثرَ الرُّواةُ وتعدَّدتِ الأسانيدُ للحديثِ الواحِدِ وتعدَّدتِ المتونُ بتعدُّدِ أسانيدِهَا، كانَ لا بدَّ من المقارنَةِ والموازنَةِ والمعارضَةِ بينَ مرويَّاتِ الرُّواةِ لبيانِ أوجُهِ الاتِّفاقِ والاختلافِ في الحديثِ، ومن ثُمَّ كشفِ عللِهِ وغوامضِهِ أو الوقوفِ على معانٍ زائدَةٍ فيهِ.

فكانَ لسبرِ الأسانيدِ والمتونِ وجمعِهَا وموازنتِهَا واختبارِهَا أهميةٌ بالغةٌ عندهُم، فَقَلَّ ما تجدُ مصنَّفاً حديثيَّاً من كتبُ السُّنَّة وعلومِ الحديثِ، إلا ويعتمدُ السَّبر في إخراجِ حديثِهِ، أو استخرَاجِ العِلَّةِ، أو استقراءِ أوجُهِ الاتِّفاقِ والاختلافِ في الأسانيدِ والمتونِ، وكذلك أئمَّةُ الجرحِ والتعديلِ يعتمدونَ على السَّبرِ في الحكْمِ على الرِّجَالِ ومروِيَّاتِهْم، قال السَّخاويُّ «ت ٩٠٢ هـ»: «وَكَمْ فِي جَمْعِ طُرُقِ الحديثِ منْ فائدةٍ» (١). وَتظهرُ أهميَّةُ السَّبرِ في نواحٍ عدةٍ نبيُّنهَا فِي المطالبِ الآتيةِ:


(١) فتح المغيث ٢/ ٣٧٠.

<<  <   >  >>