للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ وَتَمَايُزُهُمْ فِي أَدَاءِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

الاختلافُ أمرٌ فطريٌّ خاضعٌ لاختلافِ الملكاتِ عندَ الرُّواةِ، حالَ التَّحمُّلِ والأداءِ، قالَ ابنُ معينٍ «ت ٢٣٣ هـ»: «لَسْتُ أَعْجَبُ ممَّنْ يُحدِّثُ فَيُخْطِئُ، إِنَّمَا العَجَبُ ممَّنْ يُحدِّثُ فَيُصِيبُ» (١). فمنَ الرُّواةِ منْ بلغَ أعلى درجاتِ الضَّبطِ والإتقانِ، ومنهمْ منْ كانَ أدنى في ذلكَ منْ غيرِهِ، ومنهُمْ من كانَ يختَلُّ ضبطُهُ منْ وقتٍ لآخرَ مع تغيُّراتِ الزَّمانِ واختلافِ الأحوالِ وتبدُّلِ الصِّحَّةِ، ومنهمْ منْ كانَ يحرِصُ على مرويَّاتِهِ بالمذاكرَةِ والمتابعَةِ، بعكسِ البعضِ الآخرِ.

والفيصلُ في هذا الاختلافِ إنَّما يتأتَّى بسبرِ المرويَّاتِ ومقارنتِهَا لكشفِ ما يعتوِرُ الحديثَ من وهمٍ أو نقصٍ وما يعتريهِ منْ تغييرٍ، قالَ ابنُ جماعة (٢) «ت ٧٣٣ هـ»: «وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ - أَي الحَدِيثُ المُعَلُّ - جَمْعُ طُرُقِ الحَدِيثِ وَالنَّظَرُ فِي اخْتِلَافِ رُوَاتِهِ وَضَبْطِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ» (٣).

وللاختلافِ في الأسانيدِ والمتونِ أسبابٌ منها ما هو مشتركٌ بينَ السَّندِ والمتنِ معاً، ومنها ما يختَصُّ بأحدهِمَا، ومنها ما هو حقيقيٌّ قادحٌ، ومنهَا ما هوَ ظاهريٌّ غيرُ قادحٍ،


(١) تاريخ ابن معين «رواية الدوري» ٣/ ١٣/ ٥٢.
(٢) محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني، أبو عبد الله، بدر الدين بن جماعة، «٦٣٩ هـ-٧٣٣ هـ»، من العلماء بالحديث، من تصانيفه: «المنهل الروي في الحديث النبوي»، و «غرر البيان لمبهمات القرآن». انظر الأعلام للزركلي ٥/ ٢٩٧.
(٣) انظر المنهل الروي ١/ ٥٢.

<<  <   >  >>