للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَطْلَبُ الرَّابِعُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ المَقْلُوبِ «سَنَدَاً»:

بيَّنَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ» الطَّريقَ لمعرفةِ الحديثِ المقلوبِ، فقالَ: «كُلُّ مَقْلُوبٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَونِهِ مُعَلَّلَاً أَوْ شَاذَّاً لِأنَّهُ إِنَّمَا يَظْهَرُ أَمْرُهُ بِجَمْعِ الطُّرُقِ وَاعْتِبَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُوَافِقُ مِمَّنْ يُخَالِفُ» (١). فالحديثُ قدْ يأتي مقلوبَاً عمدَاً أو سهوَاً منْ طريقٍ، ويأتي صحيحَاً منْ طريقٍ أو طُرقٍ أخرى، فإذَا تواطَأ الرُّواةُ الثِّقاتُ على روايةٍ، وخالفَهُم راوٍ بصورةٍ مِنْ صُورِ القلبِ، عُلمَ حينئذٍ صوابُهُمْ مِنْ خطئِهِ، ورُجِّحتْ رِوايتُهُمْ للكثرةِ أو القرينةِ.

وثمَّةَ طريقةٌ أخرى اعتمدَهَا الأئمَّةُ الحفَّاظُ مِنَ المحدِّثينَ في معرفةِ المقلوبِ، بحفظِ النُّسخِ الموضوعةِ وأحاديثِ المتَّهمينَ، حتَّى إذَا جاءَ من يقلبُهَا عُرفتْ عندهُمْ، قالَ مالكُ بنُ إسماعيلَ النَّهديُّ (٢) «ت ٢١٩ هـ»: «جَاءَنِي عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ، فَكَتَبَ عَنِّي عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بنِ حَرْبٍ أَحَادِيثَ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، فَقُلْتُ: أَيُّ شَيءٍ تَصْنَعُ بِهَا، قَالَ: أَعْرِفُهَا، لَا تُقْلَبُ» (٣).

ومنْ جهةٍ أخرى فإنَّ معرفةَ المقلوبِ تنفي تعدُّدَ الطُّرقِ والأحاديثِ، كمَا إذَا وقعَ القلبُ في اسمِ الصَّحابيِّ فيُظنُّ حديثانِ، وهوَ على الحقيقةِ حديثٌ واحدٌ، أو وقعَ القلبُ في


(١) النكت على ابن الصلاح ٢/ ٨٧٤.
(٢) مالك بن إسماعيل بن درهم، أبو غسان النهدي، الكوفي، « … - ٢١٩ هـ»، الحافظ، أخرج له الستة. انظر تهذيب الكمال ٢٧/ ٨٦، وطبقات الحفاظ ١/ ١٧٤.
(٣) ضعفاء العقيلي ١/ ١٠٢.

<<  <   >  >>