للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعبارةٍ أخرى: المعدِّلونَ وإنْ كثرُوا لا يُبطلونَ ما أثبتَهُ الجارحونَ، والمثبِتُ مقدَّمٌ على النَّافي، إذْ المعدِّلُ كأنَّهُ يقولُ: لا نعلمُ في فلانٍ قدحَاً، بينَمَا الجارحُ يقولُ: أعلمُ فيهِ القدحَ.

ثالثاً: يُقَدَّمُ الجَرحُ أوِ التَّعديلُ بمرجِّحٍ، إمَّا بدليلٍ أو قرينةٍ: قالَ اللَّكنويُّ «ت ١٣٠٤ هـ»: «حَكَاهُ ابنُ الحَاجِبِ، كَذَا فَصَّلَهُ العِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ، وَالسُّيُوطِيُّ فِي التَّدْرِيبِ» (١).

وبيَّنَ السَّخَاويُّ «ت ٩٠٢ هـ» وجهةَ نظرِ ابنِ الحاجِبِ، فقالَ: «وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعَ المُعَدِّلِ زِيَادَةَ قُوَّةٍ بِالكَثْرَةِ، وَمَعَ الجَارِحِ زِيَادَةَ قُوَّةٍ بِالاِطِّلَاعِ عَلَى البَاطِنِ» (٢). وكلامُ الخطيبِ يقتضِي نَفْيَ هذَا القولِ.

فبيَّنَ السَّخَاويُّ أنَّ ترجيحَ التَّعديلِ لسببِ الكثرةِ، وترجيحَ الجرحِ لسببِ الإطلاعِ على الباطنِ، بالإضافةِ إلى الشُّروطِ التي ذكرهَا العلماءُ في المذهبِ الأوَّلِ، وأشرنَا إليهَا في الحاشيةِ فهيَ مِنَ المرجِّحَاتِ.

وقدْ أوردْتُ كلامَ اللكنويِّ هنَا، لنبحثَ فيمَا إذا كانَ السَّبرُ عندَ مَنْ ذَكَرَ مِنَ الأَئِمَّةِ أحدَ هذهِ المرجِّحاتِ عندَ تعارُضِ الجرحِ والتَّعديلِ، وبالرُّجوعِ إلى كتبِ أصولِ الحديثِ ومصطلحِهِ، ومنهَا «ألفيَّةُ العراقيِّ» و «شرحُهَا للسُّيوطيِّ» و «تدريبُ الرَّاوي»، لمْ أجدْ منِ استفاضَ في ذكرِ المرجِّحاتِ التي بهَا يُقدَّمُ الجرحُ علَى التَّعديلِ أو العكسُ زيادةً على ما ذكرنَا، كمَا لَمْ أجِدْ مَنْ أشارَ إلى السَّبرِ كمُرجِّحٍ، خلا قولاً لبعضِ المعاصرينَ، قالَ الدكتور


(١) الرفع والتكميل ١/ ١١٧.
(٢) فتح المغيث ١/ ٣١٠.

<<  <   >  >>