للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنَ المعلومِ أنَّ أئمَّةَ الجرحِ والتَّعديلِ لمْ يحكمُوا على الرَّاوِي، إلَّا بتحقُّقهِمْ مِنْ عدالتِهِ بالمعاينَةِ والمخالطَةِ سواءً بأنفسِهِمْ أو بتنصيصِ غيرهِمْ مِنَ الأئمَّةِ ممَّنْ خالطُوا الرَّاوِي. وبتحقُّقِهمْ مِنْ ضبطِهِ بالاطِّلاعِ علَى مرويَّاتِهِ ومدَى موافقتِهَا للثِّقاتِ في الأغلبِ الأعمِّ، فمَنْ وجدنَا فيهِ حُكماً لهُمْ بالتَّوثيقِ أو الجرحِ فهوَ حكمٌ قاطعٌ مبنيٌّ على العدالةِ والضَّبطِ معَاً.

وإذَا كانَ الرَّاوي عدلاً في دينِهِ، غيرَ ضابطٍ في حديثِهِ، أو العكسُ (١)، فقدْ فرَّقَ العلماءُ ذلكَ وبيَّنوهُ، وستأتِي أمثلةٌ على ذلكَ في المطالبِ الآتيةِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالَى.

وللأئمَّةِ في الحكمِ على عدالةِ الرُّواةِ وضبطِهِمْ ورفعِ الجهالَةِ عنهُمْ طرقٌ، سنبيِّنُ ما يخصُّ العدالَةَ منهَا، وما يخصُّ الضَّبطَ كذلكَ، وما يخصُّ المجهولَ بأقسامِهِ، معَ بيانِ إمكانيَّةِ الحكمِ علَى عدالَةِ الرَّاوي أو ضبطِهِ أو رفعِ الجهالةِ عنهُ في عينِهِ أو حالِهِ مِنْ خلالِ السَّبرِ.

* * *


(١) قال مالك بن أنس: «لا تأخذ العلم من أربعة، وخذ ممن سوى ذلك: لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث». المعرفة والتاريخ للفسوي ١/ ١٦٦.

<<  <   >  >>