للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديثِ سواءٌ منَ الرَّاوي نفسِهِ أو مِنْ جمعِ الرُّواةِ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَقَعُ بَينَ رُوَاةٍ لَهُ جَمَاعَةٌ» (١). فإذَا كانَ مِنْ راوٍ واحدٍ، فالسَّبرُ يكونُ لطرقِ الحديثِ مِنْ ذلكَ الرَّاوي، وإذَا كانَ مِنْ رواةٍ عدَّةٍ فيكونُ السَّبرُ لجميعِ هذهِ الطُّرقِ.

وبِهِ يتبيَّنُ لنَا التَّساوي المتقاوِمُ الذي يؤكِّدُ اضْطِرابَ الحديثِ، لأنَّهُ بالسَّبرِ تنتفي أحدُ المرجِّحاتِ لعدمِ الاضْطِرابِ، ككثرةِ العددِ مقابلَ قلَّتهِ للمخالِفِ أو تفرُّدِهِ، قالَ ابنُ دقيقٍ «ت ٧٠٢ هـ»: «إِنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الحَدِيثِ مِمَّا يَمْنَعُ الاِحْتِجَاجَ بِهِ، بِشَرْطِ تَكَافُؤِ الرِّوَايَاتِ أَوْ تَقَارُبِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ التَّرْجِيحُ وَاقِعَاً لِبَعْضِهَا، إِمَّا لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ أَوْ أَحْفَظُ فَيَنْبَغِي العَمَلُ بِهَا» (٢). والتَّسَاوي في عددِ الرُّواةِ لا بدَّ فيهِ منْ قرينةِ التَّساوي في القُوَّةِ، فقدْ يكونُ الاختلافُ مُتباينَاً في عددِ الرُّواةِ مُتقاوِمَاً في قوَّتِهمْ، فيكونُ الحديثُ مُضْطَربَاً، وللوقوفِ على ذلكَ لا بُدَّ منْ معرفةِ مراتبِ الرُّواةِ جرحَاً وتعديلَاً، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «المُخْتَلِفِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُتَمَاثِلِينَ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ أَمْ لَا، فَالمُتَمَاثِلُونَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ مِنَ الجَانِبَينِ سَوَاءٌ أَمْ لَا، فَإِنْ اسْتَوَى عَدَدُهُمْ مَعَ اسْتِوَاءِ أَوصَافِهِمْ وَجَبَ التَّوَقُّفُ» (٣).


(١) مقدمة ابن الصلاح ص ٩٣.
(٢) إحكام الأحكام ٣/ ١٧٢.
(٣) النكت على ابن الصلاح ٢/ ٧٧٨.

<<  <   >  >>