للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ بيَّنَ ابنُ الصَّلاحِ ذلكَ في موطنٍ آخرَ فقالَ: «وَإِنْ لَمْ نَسْتَوفِ النَّظَرَ المُعَرِّفَ لِكَونِ ذَلِكَ المُحَدِّثِ فِي نَفْسِهِ ضَابِطَاً مُطْلَقَاً، وَاحْتَجْنَا إِلَى حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِ اعْتَبَرنَا ذَلَكِ الحَدِيثَ وَنَظَرنَا هَلْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ طَرِيقِ الاِعْتِبَارِ فِي النَّوعِ الخَامِسِ عَشَرَ» (١).

وقدْ أوضحَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ» ما يُلتبسُ على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ، فقالَ: «مَعْرِفَةُ الاِعْتِبَارِ وَالمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ: قُلْتُ: هَذِهِ العِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّ الاِعْتِبَارَ قَسِيمٌ لِلمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ وَلَيسَ كَذَلِكَ، بَلِ الاِعْتِبَارُ هُوَ الهَيئَةُ الحَاصِلَةُ فِي الكَشْفِ عَنِ الُمتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ حَقُّ العِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: مَعْرِفَةُ الاِعْتِبَارِ لِلمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ، وَمَا أَحْسَنَ قَولَ شَيخِنَا فِي مَنْظُومَتِهِ:

الاِعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيثَ هَلْ … شَارَكَ رَاوٍ غَيرَهُ فِيمَا حَمَلْ

فَهَذَا سالم من الاعتراض والله أعلم» (٢).

وأقولُ هُنَا - واللهُ أعلمُ -: الأولى في العبارَةِ أنْ تكونَ: معرفةُ المتابعةِ والشَّاهدِ لغرض الاعتبارِ، أي لقياسِ هذِهِ الرِّوايةِ على غيرِهَا مِنَ الرِّواياتِ، لمعرفةِ التَّفرُّدِ مِنْ عدمِهِ. وأمَّا الهيئةُ الحاصلةُ في الكشفِ عنْ طرقِ الحديثِ فهوَ السَّبرُ.

ولذا نجدُ أنَّ ابنَ حجرٍ بعدَ كلامِهِ هذَا رجعَ إلى قولِ العراقيِّ في تفسيرِ الاعتبارِ بالسَّبرِ، وفي هذَا بيانٌ جليٌّ أنَّ السَّبرَ هوَ آلةُ الاعتبارِ التي يُتوصَّلُ مِنْ خلالِهَا للمتابعِ


(١) مقدمة ابن الصلاح ص ١٢٢.
(٢) النكت لابن حجر ٢/ ٦٨١.

<<  <   >  >>