للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ نجدُ حديثَاً ظاهرُهُ الاتِّصالُ، ويُروى بسندٍ آخرَ ظاهرُهُ الانقطاعُ، فيتعارضُ الانقطاعُ والاتِّصالُ، والكلامُ عليهِ كالكلامِ السَّابقِ في تعارضِ الوصلِ والإرسالِ (١)، بأنَّهُ عندَ التَّعارضِ ليسَ للمحدِّثينَ قاعدةٌ كلِّيَّةٌ مُضطردةٌ، وإنَّمَا العمدةُ في ذلكَ القرائنُ والمرجِّحاتُ، ككثرةِ العددِ، وقوَّةِ الحفظِ، وما إلى ذلكَ مِنَ المرجِّحاتِ التي تستبينُ بالسَّبرِ وتتبُّعِ الطُّرقِ، قالَ العلائيُّ «ت ٧٦١ هـ»: «إِنَّ الجَمَاعَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ، كَانَ القَولُ فِيهِمْ لِلْأَكْثَرِ عَدَدَاً أَوْ لِلْأَحْفَظِ وَالأَتْقَنِ … وَعِنْدَ الاِخْتِلَافِ فِيمَا هُوَ مُقْتَضَىً لِصِحَّةِ الحَدِيثِ أَوْ لِتَعْلِيلِهِ، يَرْجُعُ إِلَى قَولِ الأَكْثَرِ عَدَدَاً لِبُعْدِهِمْ عَنِ الغَلَطِ وَالسَّهْوِ، وَذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ. فَإِنْ تَفَارَقُوا وَاسْتَوَى العَدَدُ فَإِلَى قَولِ الأَحْفَظِ وَالأَكْثَرِ إِتْقَانَاً، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى العَمَلِ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ» (٢).

مثالُ ذلكَ: حديثُ عائشةَ -رضي الله عنه-، قالتْ: كنتُ أنا وحفصةُ صائمتينِ، فعُرِضَ لنَا طعامٌ اشتهيناهُ فأكلنَا منهُ، فجاءَ -صلى الله عليه وسلم- فبدرتنِي إليهِ حفصةُ، وكانتْ ابنةُ أبيهَا، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا صائمتينِ فعُرضَ لنَا طعامٌ اشتهيناهُ فأكلنَا منهُ، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: «اِقْضِيَا يَومَاً آَخَرَ مَكَانَهُ».

* الحديثُ أخرجَهُ التِّرمذيُّ «ر ٧٣٥»، والنَّسائيُّ «ر ٣٢٩١»، وابنُ حنبلٍ «ر ٢٦٣١٠»، والبيهقيُّ «ر ٨١٤٨»، وأبو يعلى «ر ٤٦٣٩»، وابنُ راهويهِ «ر ٦٥٨» منْ طريقِ جعفرِ بنِ بُرْقانَ (٣)، عن الزُّهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ -رضي الله عنه- هكذَا موصولَاً.


(١) انظر ص ٣١١.
(٢) نظم الفرائد ص ٣٦٧.
(٣) جعفر بن برقان، أبو عبد الله الرقي، «ت ١٥٠ هـ»، صدوق، يهم في حديث الزهري، أخرج له «بخ م ٤». انظر التقريب «ر ٩٣٢».

<<  <   >  >>