للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلكَ المُتشابِهُ فقدْ يردُ مُهملَاً في طريقٍ، ومُقيَّداً ومبيَّنَاً في طريقٍ أُخرى، قالَ السِّيوطيُّ «ت ٩١١ هـ» في مطلعِ بحثِ المتشابهِ: «ثُمَّ مَا وُجِدَ مِنْ هَذَا البَابِ فِي الأَقْسَامِ كُلِّهَا غَيرَ مُبَيَّنٍ، فَيُعْرَفُ بِالرَّاوِي عَنْهُ أَوْ المَرْوِيِّ عَنْهُ، أَوْ بَيَانُهُ فِي طَرِيقٍ آَخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ وَاشْتَرَكَتِ الرُّوَاةُ فَمُشْكِلٌ جِدَّاً، يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى غَالِبِ الظُّنُونِ وَالقَرَائِنِ أَوْ يُتَوَقَّفْ» (١).

والمتَّفقُ والمفترقُ يُعرفُ كذلكَ بورودِهِ مِنْ طريقٍ أُخرى مُميَّزَاً، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «ثُمَّ إِنَّ مَا يُوجَدُ مِنَ المُتَّفِقِ وَالمُفْتَرِقِ غَيرَ مَقْرُونٍ بِبَيَانٍ، فَالمُرَادُ بِهِ قَدْ يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ فِي رِوَايَاتِهِ، فَكَثِيرَاً مَا يَاتِي مُمَيَّزَاً فِي بَعْضِهِمَا» (٢).

مثالُ ذلكَ ما رواهُ ابنُ حنبلٍ، قالَ: حدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ، قالَ: أنبأنَا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، عنْ يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ راشدٍ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ أبي مُرَّةَ، عنْ خارجةَ ابنِ حُذافةَ -رضي الله عنه-، قالَ: خرجَ علينَا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ غداةٍ، فقالَ: «لَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ». قالَ ابنُ الجوزيِّ «ت ٥٩٧ هـ»: «وَأَمَّا حَدِيثُ خَارِجَةَ فَفِيهِ ابنُ إِسحَاقَ، وَقَدْ كَذَّبَهُ مَالِكٌ، وَفِيهِ عَبدُ اللهِ بنُ رَاشِدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ» (٣). وتعقَّبَهُ ابنُ عبدِ الهادي «ت ٧٤٤ هـ»، فقالَ: «وَتَضْعِيفُ المُؤَلِّفِ لِابنِ إِسْحَاقَ لَيسَ بِشَيءٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيثُ ابنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ. وَقَولُهُ في عَبْدِ اللهِ بنِ رَاشِدٍ: "ضعَّفَهَ الدَّارَقُطْنِيُّ" وَهْمٌ بَيِّن، فَإِنَّهُ إِنَّمَا ضَعَّفَ عَبدَ اللهِ بنَ رَاشِدٍ البَصرِيُّ مَولَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ.


(١) تدريب الراوي ٢/ ٣٢٩.
(٢) مقدِّمة ابن الصَّلاح ص ٣٦٤.
(٣) التحقيق في أحاديث الخلاف ١/ ٤٥٤.

<<  <   >  >>