للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزيادةَ الضَّبطِ أو كثرةَ العددِ في المحفوظِ والمعروفِ، وكذلكَ بيانَ المخالفةِ المرجوحةِ للشَّاذِّ والمنكرِ، والرَّاجحةِ للمحفوظِ والمعروفِ، تتمُّ منْ خلالِ السَّبرِ ومعارضةِ المرويَّاتِ بعضِهَا ببعضٍ.

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ الشَّاذَّ كثيراً ما يشتبهُ بزياداتِ الثِّقاتِ، لأنَّهمَا يجتمعانِ في ثقةِ راويهِمَا، قالَ شيخُنَا نورُ الدِّينِ: «وَهَذَا النَّوعُ - أَي: الشَّاذُّ - دَقِيقٌ جِدَّاً، لِأَنَّهُ يَشْتَبِهُ كَثِيرَاً بِزَيَادَةِ الثِّقَةِ فِي السَّنَدِ أَوْ المَتْنِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ لِلْفَصْلِ بَينَهُمَا» (١). فالزِّيادةُ مِنَ الثِّقةِ إنْ كانتْ راجحةً بأنْ لمْ تكنْ مخالفةً ولا منافيةً لمَا رواهُ الثِّقاتُ، ولمْ يكنْ مَنْ لمْ يروِهَا أوثقَ أو أكثرَ عددَاً ممَّنْ رواهَا، كانتْ زيادةَ ثقةٍ، وإلَّا فزيادةً شاذةً مرجوحةً، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ» في تقسيمِهِ لزياداتِ الثِّقاتِ: «أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ مُنَافٍ لِمَا رَوَاهُ سَائِرُ الثِّقَاتِ، فَهَذَا حُكْمُهُ الرَّدُّ كَمَا سَبَقَ فِي نَوعِ الشَّاذِّ» (٢). والفيصلُ بينَهُمَا للقرائنِ بعدَ السَّبرِ وجمعِ الطُّرقِ، ولا بدَّ مِنَ النَّظرِ في صنيعِ وأقوالِ المتقدِّمينَ مِنْ أئمَّةِ الحديثِ، فهمْ أهلُ هذِهِ الصَّنعةِ وصيارفتُهَا.

وإليكَ بيانُ أثرِ السَّبرِ في معرفةِ الشَّاذِّ والمنكرِ متنَاً مِنْ خلالِ التَّطبيقينِ الآتيينِ:

أَوَّلَاً: مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ الشَّاذِّ مَتْنَاً مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ:

مثالُ ذلكَ: حديثُ أبي قتادةَ الأنصاريِّ -رضي الله عنه-، قالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- زَمَنَ الْحُدَيبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ، فَرَأَيتُ حِمَاراً فَحَمَلْتُ عَلَيهِ، فَاصْطَدْتُهُ،


(١) منهج النقد ص ٤٢٩.
(٢) مقدمة ابن الصلاح ص ٨٥.

<<  <   >  >>