للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ أيضَاً: «فَإِنَّ أَوَّلَهُ يُخَالِفُ آَخِرَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَيهِ قَبْلَ رُكْبَتَيهِ فَقَدْ بَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، فَإِنَّ البَعِيرَ إِنَّمَا يَضَعُ يَدَيهِ أَوَّلَاً» (١).

وقدْ وردَ مِنْ طرقٍ كثيرةٍ تُؤيِّدُ ذلكَ (٢).

الثَّاني: مُخالفةُ النَّصِّ للمعتادِ والأمرِ الواقعيِّ والمنقولِ: كحديثِ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ». فقدْ جاءَ في روايةِ مسلمٍ: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ» (٣). والسُّنَّةُ والمعلومُ والواقعُ أنَّ الإنفاقَ يُضافُ لليمينِ لا للشِّمالِ، وقدْ جاءَتِ الرِّواياتُ تعضدُ ذلكَ، فالحديثُ مرويٌّ في البخاريِّ وغيرِهِ منْ طُرقٍ بلفظِ: «حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» (٤).

الثَّالثُ: السَّبرُ وجمعُ الطُّرقِ: وهوَ القاعدةُ الرَّئيسةُ التي ترتكزُ عليهَا معرفةُ المقلوبِ في المتنِ، وذلكَ بمخالفةِ الرِّوايةِ لأكثرِ الرِّواياتِ منَ الثِّقاتِ، والطريقانِ الأوَّلانِ - بالإضافةِ إلى كونِهِمَا مِنَ الطُّرقِ المعتمدةِ في معرفةِ القلبِ في المتنِ - همَا مِنَ القرائنِ التي تُقوِّي نتيجةَ السَّبرِ، قالَ الزَّركشيُّ «ت ٧٩٤ هـ»: «تَقُومُ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ قَرَائِنُ وَظُنُونٌ يَحْكُمُونَ بِهَا عَلَى الحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ» (٥). وصنيعُ المحدِّثينَ في كُتبِ العللِ والشُّروحِ وغيرِهَا مِنْ كتبِ الحديثِ قائمٌ على ذلكَ إذْ يسوقونَ الرِّوايةَ المقلوبةَ، ثمَّ يُبيِّنونَ وجهَ القلبِ بإيرادِ الرِّواياتِ الصَّحيحةِ، ويدعمونَ قولهمْ بمثلِ هذهِ القرائنِ والدَّلالاتِ، ومثالُ ذلكَ:


(١) المصدر ذاته ١/ ٢٢٤. وانظر سبل السلام ١/ ١٨٧، ونيل الأوطار ٢/ ٢٨٣.
(٢) انظر أبي داود «ر ٨٣٨»، والترمذي «ر ٢٦٨»، وابن ماجة «ر ٨٨٢»، والنسائي «ر ١٠٨٩»، وغيرهم …
(٣) مسلم «ر ١٠٣١».
(٤) البخاري «ر ٦٢٩». وانظر نخبة الفكر وشرحها للقاري ص ٤٧٧.
(٥) النكت على مقدمة ابن الصلاح ٢/ ٢٩٩.

<<  <   >  >>